والرضا بها، والذهول عن ذهابها، فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارق لا محالة، يوجب التوخي «١» لا محالة، كما قيل:
أَشَدُّ الغَمِّ عِنْدِي في سُرورٍ | تَيَقّن عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ |
واطلب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها لأنها مزرعة الآخرة، فيها تكتسب الحسنات وترفع الدرجات، أي: لا تنس نصيبك منها أن تقدمه للآخرة، وَأَحْسِنْ إلى عباد الله كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ فيما أنعم به عليك، أو: أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام، كما أحسن إليك بسوابغ الإنعام. وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ بالظلم والبغي وإنفاق المال في المعاصي إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ لا يرضى فعلهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: في الآية زجر عن الفرح بالدنيا والافتخار بها، بل الفرح بكل ما يَفنِي: كُلُّهُ مذموم. قال في الإحياء: الفرح بالدنيا والتنعم بها سُمٌّ قاتل، يسري في العروق، فَيُخرجُ من القلب الخوفَ والحزنَ، وذكرَ الموت وأهوالَ يوم القيامة، وهذا هو موت القلب، والعياذ بالله، فأولو العزم من أرباب القلوب حزنوا لِمُوَاتَاةِ الدنيا، وَعَلِموا أن النجاة في الحزن الدائم، والتباعُدِ من أسباب الفرح والبطر، فقطعوا النفس عن ملاذها، وعودوا الصبر عن شهواتها، حلالها وحرامها، وعلموا أن حلالها حساب، وهو نوع عذاب، ومن نوقش الحساب عُذّب، فخلَصوا أنفسهم من عذابها، وتوصلوا إلى الحرية والملك في الدنيا والآخرة، بالخلاص من أسر الشهوات ورقها، والأنس بذكر الله تعالى والاشتغال بطاعته. هـ.
وقال يُمْن بن رزق: اعلم أني لم أجد شيئاً أبلغ في الزهد في الدنيا من ثبات حزن الآخرة في القلب، وعلامة ثبات حزن الآخرة في القلب: أنْسُ القلب بالوحدة. هـ. قلت: وهذا مذهب العباد والزهّاد، وأما العارفون فقد دخلوا جنة المعارف، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، جعلنا الله من خواصهم، بمنِّه وكرمه.
ثم ذكر جواب قارون، فقال:
[سورة القصص (٢٨) : آية ٧٨]
قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)
(١) فى البيضاوي: [الترح] وهو أنسب بالسياق،. ولعل ما فى أعلى تصحيفا عن: التوقي، أي: الحذر والتحوط.