يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ أي: بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها، حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا تستأذنوا، وقرئ به، والاستئناس: الاستعلام والاستكشاف، استفعال، من أنَس الشيء: أبصره، فإن المستأذن مستعلم للحال، مستكشف له، هل يؤذن له أم لا، ويحصل بذكر الله جهراً، كتسبيحة أو تكبيرة. أو تَنَحْنُحٍ، وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها، بأن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإذا أُذن له، وإلا رجع، فإن تلاقيا، قدّم التسليم، وإلا، فالاستئذان. ذلِكُمْ أي: التسليم خَيْرٌ لَكُمْ من أن تدخلوا بغتة، أو من تحية الجاهلية.
كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتاً غير بيته يقول: حييتم صباحا، حييتم مساء، فربما أصاب الرجلَ مع امرأته في لحاف. رُوي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلّم: أَأَسْتأذنُ على أمي؟ قال: نَعَم، قال: ليس لها خادم غيري، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال صلى الله عليه وسلّم: «أتحُبُّ أن تراها عريانة.. ؟» «١». لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي: أمرتكم به، أو:
قيل لكم هذا لكي تتعظوا وتعملوا بموجبه.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها في البيوت أَحَداً ممن يستحق الإذن، من الرجال البالغين، وأما النساء والولدان فوجودهم وعدمهم سواء «٢»، فَلا تَدْخُلُوها، على أن مدلول الآية هو النهي عن دخول البيوت الخالية لما فيه من الاطلاع على ما يعتاد الناس إخفاءه، وأما حرمة دخول ما فيه النساء والولدان فمن باب الأولى لما فيه من الاطلاع على الحريم وعورات النساء. فإن لم يُؤذن لكم فلا تدخلوا، واصبروا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ من جهة من يملك الإذن، أو: فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها، ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه.
وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا أي: إذا كان فيها قوم، وقالوا: ارجعوا فَارْجِعُوا ولا تُلحُّوا في طلب الإذن، ولا تقِفُوا بالأبواب، ولا تخرقوا الحجاب لأن هذا مما يُوجب الكراهية والعداوة، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى
(٢) هذا الرأى، غير مسلم به، فالنساء، قطعا، يدخلن تحت مفهوم «أحد»، وكذلك الولدان المميزون، فكيف نقول: وجودهم وعدمهم سواء؟ ثم إنه من الثابت فى السنة الصحيحة أنه يجوز الدخول على المغيبة [أي: التي زوجها غائب فى سفر أو غزو، أو نحو ذلك،] فيجوز الدخول عليها بشرط وجود رجلين أو ثلاثة فما أكثر، والدخول يحتاج إلى استئناس واستئذان.. إلخ. فدّل هذا على أن كلام المفسر، هو رأى خاص به، وليس حكما شرعيا. [.....]