وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بالبعث والجزاء لَكافِرُونَ: لجاحدون.
الإشارة: قد تقدّم الكلام على فضل التفكر في آل عمران «١». وقوله تعالى: إِلَّا بِالْحَقِّ أي: ما خلق الكائنات إلا بالحق، من الحق إلى الحق، فهي من تجليات الحق، ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فالحق عبارة عن عين الذات عند أهل الحق، فافهم.
ثم قال زيادة فى الأمر بالاعتبار، أو: تقول: لمَّا ذكر علمهم بظاهر الحياة الدنيا، ذكر أن من قبلهم كانوا أعلم بها، ولم ينفعهم مع التكذيب، فقال:
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٩ الى ١٠]
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠)
قلت: من رفع «عاقبة الذين أساءوا» فالسوأى: منصوب خبر كان، ومن نصب «عاقبة» فالسُّوأى: مرفوع اسمها، أو: مصدر لأساءوا. انظر البيضاوي. والسُّوأى: تأنيث أسوأ. و (أن كذبوا) : مفعول من أجله، أو: بدل، على أن معنى (أساءوا) : كفروا.
يقول الحق جلّ جلاله: أَوَلَمْ يَسِيرُوا اي: أَعَمُوا ولم يسيروا فِي الْأَرْضِ، ثم قرره بقوله:
فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: فينظروا إلى آثار الذين من قبلِهمْ كيف دمرهم الله، وأخلا بلادهم، وبقيت دراسة بعدهم، كعاد وثمود، وغيرهم من الأمم العاتية، والجبابرة الطاغية، كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً حتى كان منهم من يفتل الحديد بيده، وَأَثارُوا الْأَرْضَ قلبوا وجهها بالحراثة، واستنباط المياه، واستخراج المعادن، وغير ذلك. وَعَمَرُوها اي: عمرَ المدمَّرون الأرض أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أي: أهل مكة، فأكثر: صفة لمصدر محذوف. و (ما) : مصدرية، أي: عمارة هؤلاء، فإنهم أهل وادٍ غير ذي زرع، ولا تَبَسُّطَ لهم في غيرها. وفيه تهكم بهم من حيث أنهم عمروا الأرض، مغترون بالدنيا، مفتخرون بها، وهم أضعف حالا فيها

(١) راجع تفسير الآيات: ١٩١- ١٩٤ من سورة آل عمران، ص ٤٥١- ٤٥٢ من المجلد الأول.


الصفحة التالية
Icon