وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً، أي: خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث، أو: خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً مطراً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: يتفكرون بعقولهم.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ بغير عمد وَالْأَرْضُ على ماء جماد بِأَمْرِهِ أي: بإقامته، أو: تدبيره وقدرته. ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ للبعث دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ من قبوركم. وسبك الآية: ومن آياته قيام السماوات والأرض، واستمساكها بغير عمد، ثم إذا دعاكم دعوة واحدة، يا أهل القبور، خرجتم بسرعة.
وإنما عطف هذا بثم بياناً لعِظَم ما يكون من ذلك الأمر، وإظهار اقتداره على مثله، وهو أن يقول: يا أهل القبور، قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كقوله: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ «١».
تنبيه: عبّر عن مودة الزوجين بيتفكرون لأن المودة قلبية، لا تُدْرَكُ إلا بتفكر القلب، وعبّر عن خلق السموات والأرض واختلاف الألسن والألوان بالعالِمين لأن أمر ذلك يدركه كل أحد، ممن له عقل أو علم، وعبّر عن النوم واليقظة بيسمعون لأن من كان في الغفلة لا يسمع أمثال هذه المواعظ، وإنما يسمعها مَنْ كان متيقظاً، وعبّر عن إظهار البرق، وإنزال المطر، وإحياء الأرض، بيعقلون لأن أمر البرق وما معه يبصره كل من له مسكة من عقل سليم، ويعلم أنه من الله بلا واسطة. والله تعالى علم.
الإشارة: ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.
قال في الإحياء: وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنْه جلال الله مُحال، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه، وبأفعال مملكته، وأسرار مملكته، وقويت، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم، كما أنه كلما كثر البذر وحسن كثر الزرع وحَسُن. وقال أيضاً، في كتاب شرح عجائب القلب: ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه، ومن صفاته وأفعاله. هـ.
ومن آياته خلق سماوت أرواحكم، وأرض نفوسكم، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية، والنفوس بآداب العبودية، واختلاف ألسنتكم فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق، وبعضها إلا في الجمع. وألوانكم بعضها ظهر فيها