معلومٌ ببيان الشريعة، وزكاة البَدَنِ وزكاةُ القلبِ، وزكاةُ السِّر، كلُّ ذلك يجب القيام به. هـ. قلت: فزكاة البدن:
إتعابه في القيام بوظائف العبودية الظاهرة، وزكاة القلب: تطهيره من الرذائل وتحليته بالفضائل، وزكاة السر:
صيانته من الميل إلى شيء من السِّوى. والله تعالى أعلم.
ثم برهن على وحدانيته، فقال:
[سورة الروم (٣٠) : آية ٤٠]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)
قلت: (الله) : مبتدأ، و (الذي خلقكم) : خبر.
يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أظهركم ثُمَّ رَزَقَكُمْ ما تقوم به أبدانكم، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ عند بعثكم ليجازيكم على فعلكم، أي: هو المختص بالخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء. هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ أصنامكم مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ أي: من الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، مِنْ شَيْءٍ أي: شيئاً من تلك الأفعال؟ فلم يجيبوا، عجزاً، فقال استبعاداً وتنزيهاً: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. و «من» الأولى، والثانية، والثالثة: زوائد لتأكيد عجز شركائهم، وتجهيل عَبَدَتِهِمْ.
الإشارة: ذكر الحق تعالى أربعة أشياء متناسقة أنه هو فاعلها، فأقر الناس بثلاثة، وشكُّوا في الرزق، وقالوا:
لا يكون إلا بالسبب، والسبب إنما هو ستر لسر الربوبية. فإذا تحقق وجوده في حق العامة ارتفع فى حق الخاصة، فيرزقهم بلا سبب، لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
«١».
قال القشيري: حين قذفك في بَطْنِ أُمّك قد كنت غنياً عن الأكل والشراب بقدرته، أو مفتقراً إليه، فأجرى رزقه عليك مع الطمث، على ما قالوا، وإذا أخرجك من بطن أمك رزقك على الوجه المعهود في الوقت المعلوم، فيسر لك أسباب الشُرْب والأكل من لبن الأم، ثم من فنون الطعام، ثم أرزاق القلوب والسرائر من الإيمان والعرفان، وأرزاق التوفيق من الطاعات والعبادات، وأرزاق اللسان من الأذكار، وغير ذلك مما جرى ذكره. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ