قلت: «لبثوا» : جواب القسم على المعنى، وإلا لقيل: ما لبثنا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، أي: القيامة. وسميت بذلك لأنها تقوم آخر ساعة من ساعات الدنيا، ولأنها تقوم في ساعة واحدة، وصارت عَلَماً لها بالغلبة، كالنجم للثريا، فإذا قامت يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ يحلف الكافرون: ما لَبِثُوا في قبورهم، أو: في الدنيا، غَيْرَ ساعَةٍ، استقلُّوا مدّة لبثهم في القبور، أو: الدنيا، لشدة هول المطلع، أو: لطول مقامهم في أهوالها، أو: ينسون ما لبثوا، أو: يكذبون. كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ، أي: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الصدق والتصديق، أو: عن الحق حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، ويقولون: ما هِيَ إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ، أي: حَصَّلوا العلم بالله والإيمان بالبَعْثِ، وهم الملائكة والأنبياء، والمؤمنون: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ في علم الله المثبت في اللوح، أو: في حكم الله وقضائه، أو: القرآن، وهو قوله تعالى: «ومن ورائهم برزخ..» إلخ، أي: لقد مكثتم مُدَّةَ البرزخ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ، ردّوا عليهم ما قالوه، وحلَّفُوهم عليه، وأطلعوهم على حقيقة الأَمر، ثم وَبَّخُوهُمْ على إنكار البعث بقولهم: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الذي كنتم تنكرونه، وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ في الدنيا أنه حق لتفريطكم في طلب الحق، واتباعه. والفاء جواب شرط «١» مُقَدَّر، ينساق إليه الكلام، أي: إن كنتم منكرين للبعث فهذا يومه.
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ «٢» الَّذِينَ ظَلَمُوا كفروا، مَعْذِرَتُهُمْ: اعتذارهم، والمعذرة: تأنيثها مجازي، فيجوز التذكير والتأنيث، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي: لا يقال لهم: أَرْضُوا رَبَّكُمْ بالتوبة، ولا يُدْعَوْنَ إلى استرضائه، يقال:
استعتبني فلان فأعْتَبْتُهُ، أي: استرضاني فأرضيته.
الإشارة: كل من قصر في هذه الدار، وصرف أيام عمره في البطالة، يقصر عليه الزمان عند موته، ويرجع عنده كأنه يوم واحد، فحينئذٍ يستعتب فلا يُعتب، ويطلب الرجعى فلا يُجاب، فلا تسأل عن حسرته وخسارته، والعياذ بالله، وهذا كله مبين فى القرآن، كما قال تعالى:
(٢) قرأ عاصم وحمزة والكسائي: «ينفع» بالياء. والباقون: بالتاء.. انظر: الإتحاف (٢/ ٣٠٦)