كَرِيمٍ: حسن بهيج، أو كثير المنفعة. وكأنه استدل بذلك على عزته، التي هي كمال القدرة، وحكمته التي هي كمال العلم، فهي مقررة لقوله: (العزيز الحكيم) ثم أَمَرَ بالتفكُّر في هذه المصنوعات استدلالاً على توحيده بقوله: هذا خَلْقُ اللَّهِ أي: هذا الذي تُعاينونه من جملة مخلوقاته، فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، يعني: آلهتهم. بكَّتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلق الله، فأروني ماذا خلق آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة؟ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالظلم والتورط في ضلال ليس بعده ضلال.
الإشارة: خلق سموات الأرواح- وهو عالم الملكوت- مرفوعاً غنياً عن الاحتياج إلى شيء، وألقى في أرض النفوس- وهو عالم الأشباح- من العقول الراسخة، لئلا تميل إلى جهة الانحراف، إما إلى الحقيقة المحصنة، أو الشريعة. ونشر في أرض النفوس دواب الخواطَر والوساوس، وأنبتنا فيها من علوم الحكمة والقدرة، من كل صنف بهيج. قال القشيري: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ في الظاهر: الجبال، وفي الحقيقة: الأبدال، الذين هم أوتاد، بهم يقيهم، وبهم يَصرِف عن قريبهم وقاصيهم، وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماء.. المطر من سماء الظاهر في رياض الخُضْرَةَ، ومن سماء الباطن في رياض أهل الدنوِّ والحَضْرَة. هذا خلق الله العزيز في كبريائه، فأروني ماذا خَلَقَ الذين عَبَدْتم من دونه في أرضه وسمائه؟. هـ.
ثم ذكر قصة لقمان، الذي وقع السؤال عنه فنزلت السورة، فقال:
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)
قلت: (يا بُني) فيه ثلاث قراءات كسر الياء، وفتحها مُشَدَّدةً، وإسكانها «١». وقد تتبعنا توجيهاتها في كتابنا «الدرر الناثرة فى توجيه القراءات المتواترة».
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ، وهو لقمان بن باعوراء بن أخت أيوب، أو ابن خالته، وقيل: كان من أولاد آزر، وقيل: أخو شداد بن عاد، أُعطى شداد القوة، وأُعطى لقمان الحكمة، وعاش ألف