وَقالُوا منكرين للبعث: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ، أي: صِرْنَا تراباً، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض، لا نتميز منه، كما يضل الماء في اللبن. أو: غبنا في الأرض بالدفن فيها، يقال: ضَلَلَ كضرب، وضِلل كفرح. وانتصب الظرف في (أإذا) بقوله: أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. أي: أُنبعث، ونُجدد، إذا ضللنا في الأرض؟. والقائل لهذه المقالة أُبيّ بن خلف، وأسند إليهم لرضاهم بذلك، بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ جاحدون. لَمّا ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالبعث وحده. وقال المحشي: أي: ليس لهم جحود قدرته تعالى على الإعادة لأنهم يعترفون بقدرته، ولكنهم اعتقدوا ألاَّ حساب عليهم، وأنهم لا يَلْقَوْنَ الله تعالى، ولا يصيرون إلى جزائه. هـ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل ما أظهر الحق تعالى: من تجلياته الكونية فهي في غاية الإبداع والاتفاق في أصل نشأتها، كما قال صاحب العينية:
وَكلُّ قبِيح، إنْ نَسَبْتَ لِحُسْنِهِ | أَتَتْكَ مَعَانِي الْحُسْنِ فِيهِ تُسَارعُ |
يُكَمِّلُ نُقصَانَ الْقَبِيحِ جَمَالُهُ | فَما ثَمَّ نُقْصَانٌ، وَلاَ ثَمَّ بَاشِعُ «١» |
وكم أبصرتُ مِن حُسْنٍ، ولكن | عليك، من الورى، وقع اختياري |
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١١ الى ١٥]
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)