وَقالُوا منكرين للبعث: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ، أي: صِرْنَا تراباً، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض، لا نتميز منه، كما يضل الماء في اللبن. أو: غبنا في الأرض بالدفن فيها، يقال: ضَلَلَ كضرب، وضِلل كفرح. وانتصب الظرف في (أإذا) بقوله: أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. أي: أُنبعث، ونُجدد، إذا ضللنا في الأرض؟. والقائل لهذه المقالة أُبيّ بن خلف، وأسند إليهم لرضاهم بذلك، بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ جاحدون. لَمّا ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالبعث وحده. وقال المحشي: أي: ليس لهم جحود قدرته تعالى على الإعادة لأنهم يعترفون بقدرته، ولكنهم اعتقدوا ألاَّ حساب عليهم، وأنهم لا يَلْقَوْنَ الله تعالى، ولا يصيرون إلى جزائه. هـ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل ما أظهر الحق تعالى: من تجلياته الكونية فهي في غاية الإبداع والاتفاق في أصل نشأتها، كما قال صاحب العينية:

وَكلُّ قبِيح، إنْ نَسَبْتَ لِحُسْنِهِ أَتَتْكَ مَعَانِي الْحُسْنِ فِيهِ تُسَارعُ
يُكَمِّلُ نُقصَانَ الْقَبِيحِ جَمَالُهُ فَما ثَمَّ نُقْصَانٌ، وَلاَ ثَمَّ بَاشِعُ «١»
وأكملُها وأعظمُها: خلقةُ الإنسان، الذي خُلِقَ على صورة الرحمن، حيث جعل فيه أوصافه من قدرة، وإرادة، وعلم، وحياة، وسمع، وبصر، وكلام، وهيأه لحضرة القدس ومحل الأنس، وسخّر له جميع الكائنات، وهيأه لحمل الأمانة، إلى غير ذلك مما خص به عبده المؤمن. وأما الكافر فهو في أسفل سافلين. قال الورتجبي: ذكر حسن الأشياء، ولم يذكر هنا حسن الإنسان غيرةً، لأنه موضع محبته، واختياره الأزلي، كقول القائل: قال الواسطي: الجسم يستحسن المستحسنات، والروح واحديةٌ فردانيةٌ، لا تستحسن شيئاً. وقال ابن عطاء في قوله: ثُمَّ سَوَّاهُ... : قوّمه بفنون الآداب، ونفخ فيه من روحه الخاص، الذي، به، فَضَّله على سائر الأرواح، لما كان له عنده من محل التمكين، وما كان فيه من تدبير الخلافة، ومشافهة الخطاب- بعد أن قال الورتجبي-: أخص الخصائص هو ما سقط من حُسْنِ تَجلِّي ذاته في صورته، كما ذكر بقوله: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ. هـ.
وكم أبصرتُ مِن حُسْنٍ، ولكن عليك، من الورى، وقع اختياري
ثم ذكر أمر اللقاء الذي أنكروه، فقال:
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١١ الى ١٥]
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)
(١) انظر النادرات العينية (٧٦- ٧٧).


الصفحة التالية
Icon