أبيرق، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم، وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات، والعزى، ومناة، وقل: إن لها شفاعة ومنفعة لِمن عَبَدَها، وندعك وَرَبَّك. فشقّ على النبي ﷺ قولهم، فقال عمر: ائذن لنا، يا رسول الله، في قتلهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني قد أعطيتهم الأمان». فقال عمر: اخرُجوا في لعنة الله وغضبه، فخرجوا من المدينة، فنزلت «١».
أي: اتق الله في نقض العهد، ولا تُطع الكافرين من أهل مكة، كأَبي سفيان وأصحابه، والمنافقين من أهل المدينة، فيما طلبوا، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بخبث أعمالهم، حَكِيماً بتأخير الأمر بقتالهم.
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في الثبات على التقوى، وترك طاعة الكافرين والمنافقين. أو: كل ما يُوحى إليك من ربك، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي: لم يزل عالماً بأعمالهم وأعمالكم. وقيل: إنما جمع لأن المراد بقوله: «اتبع» : هو وأصحابه، وقرأ بالغيب: أبو عمرو، أي: بما يعمل الكافرون والمنافقون، من كيدهم لكم ومكرهم. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أَسْنِدْ أمرك إليه، وكِلْهُ إلى تدبيره. وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا حافظاً موكولاً إليه كل أمر. وقال الزجاج: لفظه، وإن كان لفظ الخبر فالمعنى: اكتفِ بالله وكيلاً.
الإشارة: أُمر بتقوى الله، وبالغيبة عما يشغل عن الله، وبالتوكل على الله، فالتقوى أساس الطريق، والغيبة عن الشاغل: سبب الوصول إلى عين التحقيق، والتوكل زاد رفيق. قال القشيري بعد كلام: يا أيها المُرقَّى إلى أعلى المراتب، المُتَلقَّى بأسنى القُرَب والمناقب اتقِ الله أن تلاحظ غَيْراً معنا، أو تُساكِن شيئاً دوننا، أو تُثبت شيئاً سوانا، وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ إشفاقاً منك عليهم، وطمعاً في إيمانهم، بموافقتهم في شيء مما أرادوه منك. والتقوى رقيب على الأولياء، تمنعهم، في أنفاسهم وسكناتهم وحركاتهم، أن ينظروا إلى غيره، أو يُثْبِتُوا معه سواه، إلا منصوباً بقدرته، مصرَّفاً بمشيئته، نافذاً فيه حُكْمُ قضيته.
التقوى لجامٌ يمنعك عمَّا لا يجوز، زمامٌ يقودك إلى ما تُحب، سوطٌ يسوقك إلى ما أمر به، حِرْزٌ يعصمك من تَوَصُّل عقابه إليك، عوذَةٌ تشفيك من داء الخطايا. التقوى وسيلةٌ إلى ساحة كرمه، ذريعةٌ يُتَوصَّلُ بها إلى عفوه وجوده. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ... لا تبتدع، واقتِد بما نأمرك، ولا تقتدِ، باختيارك، غَيْرَ ما نختار لك، ولا تُعَرِّج- أي: تقم- في أوطان الكسل، ولا تجنح إلى ناحية التواني، وكن لنا لا لك، وقم بنا لا بِكَ. «وتوكل» انسلخْ عن إهابك لنا، واصدق في إيابك إلينا، وتشاغلك عن حُسْبَانِكَ معنا، واحذرْ ذهابَكَ عنا، ولا تُقَصِّرْ في خطابك معنا. ويقال: التوكل: تَخلُّقُ، ثم تَخلُّقٌ، ثم تَوَثُقٌ، ثم تَمَلُّقٌ تحققٌ في العقيدة، وتخلقٌ بإقامة الشريعة، وتَوثُّقٌ بالمقسوم من القضية، وتملقٌ بين يديه بحُسْن العبودية. ويقال: التوكل: استواءُ القلب في العدم والوجود. هـ.

(١) ذكره الواحدي فى أسباب النزول (ص ٣٦٤)، والبغوي فى تفسيره (٦/ ٣١٥)، بدون إسناد.


الصفحة التالية
Icon