يتوارثون بالهجرة، ولا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر شيئاً، فنزلت. وقال الكلبي: آخى النبي ﷺ بين الناس، فكان يواخى بين الرجلين، فإذا مات أحدهما ورثه الآخر، دون عصبته، حتى نزلت: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ «١» في حكمه، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ. ويجوز أن يكون مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: بياناً لأولي الأرحام، أي: وأولو الأرحام، من هؤلاء، بعضهم أولى بأن يرث بعضاً من الأجانب، إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً أي: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفاً، وهو أن تُوصوا لمَن أحببتم من هؤلاء بشيء، فيكون له ذلك بالوصية، لا بالميراث فالاستثناء منقطع. وعَدّى (تفعلوا) بإلى لأنه في معنى تُسْنِدُوا، والمراد بالأولياء:
المؤمنون، والمهاجرون: المتقدمون الذين نسخ ميراثهم. كانَ ذلِكَ أي: التوارث بالأرحام فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً أي: اللوح المحفوظ، أو: القرآن. وقيل: في التوراة.
الإشارة: متابعته- عليه الصلاة والسلام، والاقتباس من أنواره، والاهتداء بهديه، وإيثار محبته، وأمره على غيره لا ينقطع عن المريد أبداً، بدايةً ونهايةً إذ هو الواسطة العظمى، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأرواحهم وأسرارهم. فكل مدد واصل إلى العبد فهو منه صلى الله عليه وسلم، وعلى يده، وكل ما تأمر به الأشياخ من فعل وترك في تربية المريدين، فهو جزء من الذي جاء به. وهم في ذلك بحسب النيابة عن النبي ﷺ لأنهم خلفاء عنه. وكل كرامة تظهر فهي معجزة له صلى الله عليه وسلم، وكل كشف ومشاهدة فمن نوره صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي الحاتمي رضي الله عنه: اعلم أن كل وَليّ لله تعالى إنما يأخذ ما يأخذ بِوَاسِطَةِ رُوحَانِيَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم مَن يعرف ذلك، ومنهم مَن لا يعرفه، ويقول: قال لي الله، وليس إلا تلك الروحانية. هـ. وهو موافق لما أشار إليه الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه، حيث قال: الوليّ إنما يكاشف بالمثال، كما يرى مثلاً البدر في الماء بواسطته، وكذلك الحقائق الغيبية، والأمور الإشهادية مجلوة وظاهرة فى بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وله عياناً لا مثالاً. والوليّ لقربه منه ومناسبته له لهديه بهديه، ومتابعته له يُكاشف بمثال ذلك فيه، فظهر الفرق وثبتت مزية النبي صلى الله عليه وسلم، وانتفى اللبس بين النبوة والولاية. قاله شيخ شيوخنا سيدي «عبد الرحمن العارف».
قال القشيري: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الإشارة: تقديم سُنّته على هواك، والوقوف عند إشارته دون ما يتعلقُ به مُناك، وإيثار مَن تتوسل به نسباً وسبباً على أعِزَّتكَ ومَن والاك، وَأُولُوا الْأَرْحامِ.. الآية. ليكن

(١) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٤٦٨).


الصفحة التالية
Icon