بينك وبين الله: إدامة التبري من الحول والقوة، ومواصلة الاستقامة، وحفظ العهود معه على الدوام. وفى التوكل:
عدَم الانزعاج عند الفَقْدِ، وزوالِ الْبِشْر [بالوجد] «١»، وفي الأمر بالمعروف: التحرُّز من تخلل المداهنة، قليلها وكثيرها، وألاَّ يترك ذلك لِفَزَعٍ ولا طَمَع، ولكن تَشْرَبُ مما تَسْقي، وتتصف بما تأمر، وتنتهي عما تَزْجُر. ويقال:
الصدق: أن يهتدي إليك كل أحد، ويكون عليك، فيما تقول وتضمر، اعتماد. ويقال: الصدق: ألا تجنحَ إلى التأويلات. انتهى كلام القشيري.
ثم شرع فى غزوة الأحزاب، التي هى المقصودة من السورة، فقال:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٩ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، أي: ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب، وهو يوم الخندق، وكان بعد حرب أُحد بِسَنَةٍ. إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ أي: الأحزاب، وهم: قريش، وغطفان، ويهود قريظة والنضير، وهم السبب فى إتيانهم، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً أي: الصّبا، قال عليه الصلاة والسلام: «نُصِرتُ بالصِّبَا، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُور» «٢». قيل: كانت هذه الريح معجزة لأن النبي ﷺ والمسلمين كانوا قريباً منها، ولم يكن بينهم وبينها إلا عُرض الخندق، وكانوا فى عافية منها. وَلا شعور لهم بها.
وأرسلنا عليهم جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة، وكانوا ألفاً، فقلعت الأوتاد، وقطعت الأطناب، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور.
وكان سبب غزوة الأحزاب: أن نفراً من اليهود، منهم ابن أَبي الحقيق، وحُيي بن أخطب، في نفر من بني النضير، لَمَّا أجلاهم النبي ﷺ من بلدهم، قَدِموا مكة فحرّضوا قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرجوا إلى غطفان، وأشجع، وفزارة، وقبائلَ مِنَ العرب، يُحرضونهم على ذلك، على أن يعطوهم نصف تمر خيبر كل
(٢) سبق تخريج الحديث عن تفسير الآية ٤٦ من سورة الروم. فراجعه إن شئت، أكرمك الله.