ثم ذكر تزوجه- عليه الصلاة والسلام- لزينب بعد مفارقة زيد، فقال:
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ...
يقول الحق جلّ جلاله: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً حاجة، بحيث ملَّها ولم تبقَ له فيها حاجة.
والوطر: الحاجة، فإذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همّة، يقال: قضى منه وطراً، أي: فلما قضى حاجته منها، وطلقها، وانقضت عدّتها، زَوَّجْناكَها. رُوي أنها لما اعتدت قال- عليه الصلاة والسلام- لزيد: «ما أجد أحداً أوثقُ في نفسي منكَ، ايت زينبَ فاخطبها لي» قال زيدٌ: فأتيتُها وولَّيتُها ظهْرِي، إعظاماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقلت:
يا زينبُ إنَّ النبي ﷺ يخطبُك، فَفَرحَتْ، وقالت: ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أؤامِرَ ربِّي، فقامت إلى مسجدها، فنزَلَ القرآنُ: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ... الآية، فتزوجها عليه الصلاة والسلام، ودخل بها حينئذ، ومَا أوْلَمَ على امْرأةٍ ما أوْلَمَ عليها، ذبح شاةٍ، وأطعمَ الناسَ الخبزَ واللحمَ حتى امتد النهار «١».
وقيل: زوّجه الله تعالى إياها بلا واسطة عقد، ويؤيده: أنها كانت تقول لسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله زوجني من فوق سبع سموات، وأنتن زوَّجَكُنَّ أولياؤكُنَّ «٢». وكانت تقول للنبى صلى الله عليه وسلم: إني لأدُلّ عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تدِل عليك بهنّ: جدّي وجدّك واحد، وإياي أنكحك الله من السماء، وإن السفير لي جبريل «٣».
ثم علل تزويجه إياها، فقال: لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ الذين يتبنونهم إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، قال الحسن: ظنت العرب أن حُرمة المتبني مشتبكة كاشتباك الرحم، فبيّن اللهُ تعالى الفرق بينهما، وأن حلائل الأدعياء غير محرمة. وليست كحلائل أبناء الصلب. قال البيضاوي: وفيه دليل على أنَّ حكمه
(٢) أخرجه البخاري فى (التوحيد، باب وكان عرشه على الماء ح ٧٤٢٠) من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الطبري فى تفسيره (٢٢/ ١٤) من مرسل الشعبي. [.....]