قال: وهذا مثلٌ، يقال: فلان لا يبدئ ولا يعيد، إذا كان لا يلتفت إليه ولا يعتمد عليه. وقال الهروي: الباطل: إبليس، ما يبدىء ولا يعيد: لا يخلق ولا يبعث، والله تعالى هو المبدئ المعيد، ومعناهما: الخالق الباعث. وقال في الصحاح:
وفلان ما يبدئ وما يعيد، أي: ما يتكلم ببادية ولا عائدة، ومثله في القاموس.
والحاصل: أنه عبارة عن زهوق الباطل، حتى لا يبقى له ظهور. وعن ابن مسعود رضي الله عنه دخل النبي ﷺ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْح، وحَوْلَ الكعبة أصنام، فجعل يطعنُها بعودٍ، فتقطع لقفاها، ويقول: «جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الباطل كان زهوقا. قل جاء الحق وما يبدئ الباطلُ وما يُعيد» «١».
ولما قالوا له صلى الله عليه وسلم: قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ عن الحق فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي فإن وبال ضلالي عليها، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي أي: فبتسديده بالوحي إِليّ. وكان قياس المقابلة أن يقال: وإن اهتديتُ فإنما أهتدي لها، كقوله: فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «٢»، ولكن هما متقابلان معنًى لأنّ النفس كلّ ما يضرها فهو بسببها، وما لها مما ينفعها، فهو بهداية ربها وتوفيقه، وهذا حكم عمل لكل مكلّف. وإنما أمر رسولَه أن ينسبه إلى نفسه تشريعاً لغيره لأنه إذا كان هذا له مع جلالة قدره فما باله بغيره؟. إِنَّهُ سَمِيعٌ لما أقوله لكم، قَرِيبٌ مني ومنكم، فيجازيني ويجازيكم على ما أخفيتم وما أعلنتم.
الإشارة: الحق هو العلم بالله، والباطل الجهل بالله، أو: ما سوى الله، فإذا حصل للعبد العلم بالله غاب عنه كل ما سواه، وما بقي في الوجود إلا الله، وفي ذلك يقول الشاعر:
فلم يبق إلا الله لم يبق كائن | فما ثم موصول ولا ثم بائن |
بذا جاء برهان العيان فما أرى | بعيني إلا عينه إذ أعاين |
كشف ما يبدىء الباطل للابتداء، وما يعيد على العبد من الأحكام، يعني: أن نور الحق يكشف حقيقةَ الباطل وضررَ عاقبته، وقُبحه في ذاته. والله أعلم. هـ. ومَن رُمي بباطل أو بدعة، وهو محقق بالحق، متمسك بالسنة النبوية، فليقل لمَن رماه: (إِن ضللتُ فإنما أضل على نفسي..) الآية.
(٢) الآية ٤١ من سورة الزمر.