إِنْ تَدْعُوهُمْ أي: الأصنام لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ لأنهم جماد، وَلَوْ سَمِعُوا على سبيل الفرض مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لأنهم لا يدّعون ما تدّعون لهم من الإلهية، بل يتبرؤون منها. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ بإشراككم لهم، وعبادتكم إياهم. ويقولون: مَّا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ «١». وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ أي: ولا يخبرك بالأمر على حقيقته مخبر مثل خبير به، وهو الله تعالى فإنه خبير به على الحقيقة، دون سائر المخبرين. والمراد: تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم، ونفي ما يدعون لها. أو: ولا يخبرك أيها المفتون بأسباب الغرور، كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور وتحقيقها، أي: لا يخبرك بالأمور مخبر هو خبير عالم به، يريد أنَّ الخبير بالأمور وحده هو الذي يُخبرك بالحقيقة، دون سائر المخبرين. والمعنى: أنَّ هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لأنه خبيرٌ بما أخبرتُ به. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه: يولج الليل في النهار، ويُولج النهارَ في الليل. يُولج المعصية في الطاعة، ويُولج الطاعة في المعصية. يعمل العبد الطاعة فيُعجب بها، ويعتمد عليها، ويستصغر مَن لم يفعلها، ويطلب من الله العوض عليها، فهذه حسنات أحاطت بها سيئات. ويُذنب العبدُ الذنبَ، فيلتجأ إلى الله فيه، ويعتذر منه، ويستصغر نفسه، ويُعظم مَن لم يفعله، فهذه سيئة أحاطت بها حسنات، فأيتهما الطاعة، وأيتهما المعصية؟ هـ.
أو: يولج ليلَ القبض في نهار البسط، وبالعكس، أو: يولج ليلَ الحجبة في نهار الكشف، ونهارَ الكشف في ليل القطيعة، يتواردان إلى حال طلوع شمس العرفان، فلا غروب لها، كما قال الشاعر:
طلعت شمسُ مَنْ أُحِبُّ بلَيلٍ | واستنَارَت فمَا تَلاها غُرُوبُ |
إنَّ شَمْسَ النهارِ تَغْربُ باللي | ل وشَمْسَ القلوب ليست تغيب «٢». |
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٥ الى ١٧]
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧)
(٢) البيت من الخفيف، وهو للحلاج. انظر ديوانه ص ٢٣، وصلة تاريخ الطبري ١١/ ٨٧.