ذا قرابة قريبة، كأب، وولد، وأخ. والفرق بين معنى قوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وبين قوله: إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ أنَّ الأول دالّ على عدل الله في حكمه، وأنه لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها، والثاني: في بيان أنه لا غياث يومئذ لمَن استغاث، فمَن أثقلته ذنوبه ثم استغاث بأحد لم يُغثه، وهذا غاية الإنذار.
ثم بيّن مَن ينتفع به بقوله: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي: إنما ينتفع بإنذارك مَن خشي ربه بِالْغَيْبِ أي: يخشون ربهم غائبين عنه، أو: يخشون عذابه غائباً عنهم، فهو حال، إما من الفاعل أو المفعول المحذوف. أو: يخشون ربهم في حال الغيب، حيث لا اطلاع للغير عليهم، فيتقون الله في السر، كما يتقون في العلانية. وَأَقامُوا الصَّلاةَ أتقنوها في مواقيتها، وَمَنْ تَزَكَّى أي: تطهّر بفعل الطاعات، وترك المنهيات، فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذا نفعه يعود لها، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم، وإقامتهم الصلاة لأنها من جملة التزكي. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ المرجع، فيجازيهم على تزكيتهم، وهو وعد للمتزكِّين بالثواب.
الإشارة: وبال الوزر خاص بصاحبه، إلا إذا كان مقتدى به، فإنَّ عيبه أو نقصه يسري في أصحابه، حتى يطهر منه لأن الصحبة صيرت الجسدين واحداً. وراجع ما تقدم عند قوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً... «١» الآية. قال القشيري: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى: كلٌّ مُطَالَبٌ بعمله، ومحاسبٌ عن ديوانه. ولكلٍّ معه شأن، وله مع كلِّ أحدٍ شأن، ومن العبادات ما تجري فيها النيابة، ولكن في المعارف لا تجري النيابة ولو أن عبداً عاصياً منهمكاً في غوايته فاتته صلاةٌ مفروضةٌ، فلو قضى عنه ألفُ وليٍّ، وألفُ صَفِيٍّ، تلك الصلاة الواحدة، عن كل ركعةٍ ألف ركعةٍ لم تُقْبَلْ. هـ. وقال في قوله تعالى: إِنَّما تُنْذِرُ... الخ: الإنذار هو الإعلام بموضع المخافة. والخشيةُ هي المخافة، فمعنى الآية: لا ينتفع بالتخويف إلا صَاحِبُ الخوف- طيرُ السماء على إلا فها تقع. هـ.
ثم ضرب المثل لمن تزكى، ومن لم يتزك، فقال:
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٩ الى ٢٤]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣)
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)