تتضمن أن قريشاً لم يأتهم نذيرٌ، ومعناه: نذيرٌ مباشر، وما ذكر المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم، فإنما ذلك بالفرض، لا أنه توجد أُمةً لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله. هـ.
وذكر في الإحياء، في باب التوبة: أنه يشبه أن يكون مَن لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد، وعاشوا [على البله] «١» وعدم المعرفة، فلم تكن لهم معرفة، ولا جحود، ولا طاعة، ولا معصية، هم أهل الأعراف لأنه لا وسيلة تقربهم، ولا جناية تُبعدهم، فما هم من أهل الجنة، ولا من أهل النار، ويُتركون في منزلة بين المنزلتين، ومقام بين المقامين. هـ. وقال ابن مرزوق في شرح حديث [هرَقْل] «٢» : الدين الحق هو الإسلام، وما سواه باطل، عقلاً ونقلاً، فلا عذر لمنتحيله بالإجماع، كان متأولاً مجتهداً، أو مقلداً جاهلاً لأن أدلة الإسلام واضحة قطعية، ومخالف مقتضاها مخطئ قطعاً. هـ.
وقال ابن عطية أيضاً، ما نصه: آدم عليه السلام فمن بعده، دعا إلى توحيد الله تعالى دعاءً عاماً، واستمر ذلك على العالم، فواجب على الآدمي أن يبحث عن الشرع، الآمر بتوحيد الله تعالى، وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك، بحسب إيجاب الشرع النظر فيها، ويؤمن، ولا يعبد غير الله، فمَن فرضناه لم يجد سبيلاً إلى العلم فأولئك أهل الفترات، الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة، وهم بمنزلة الأطفال والمجانين، ومن قصر في النظر والبحث، فَعَبَد صنماً أو غيره، وكفر، فهذا ترك الواجب عليه، مستوجب للعقاب بالنار. هـ. وقال أيضاً: إنما صاحب الفترة بفرض أنه آدمي، لم يصل إليه: أن الله بعث رسولاً، ولا دعا إلى دين- وهذا قليل الوجود- إلا إن شذ في أطراف الأرض، والمواضع المنقطعة عن العمران. هـ.
والحاصل: أن مَن بلغه خبر الشرائع السابقة، والدعاء إلى توحيد الله، لا عذر له، وإنما بُعثت الرسل بعد ذلك تجديداً، ومبالغة في إزاحة العذر، وإكمال البيان. قاله المحشي.
الإشارة: وما يستوي الأعمى، الذي لا يرى إلا حس الكائنات، والبصير، الذي فتحت بصيرته، فشاهد المكوّن، ولم يقف مع حس الكون، ولا الظلمات: المعاصي والغفلة ودائرة الحس، ونور اليقظة والعفة والمعرفة، ولا ظل برد الرضا والتسليم، وحرور التدبير والاختيار، وما يستوي الأحياء، وهم العارفون بالله، الذاكرون الله، والأموات الجاهلون، أو الغافلون. قال القشيري: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ.. الآية، كذلك لا يستوي الموصول بنا والمشغول عنَّا، والمجذوبُ إلينا والمحجوبُ عنَّا، ومَن أشهدناه حقَّنا، ومَن أغفلنا قلبَه عن ذِكْرِنا. هـ.

(١) الكلمة مشتبهة فى الأصول، وأثبتها من إحياء علوم الدين ٤/ ٣٢.
(٢) ما بين المعقوفتين أثبته من النسخة التيمورية، وهو مطموس فى النسخ الأخرى. قلت: وحديث هرقل أخرجه البخاري فى (بدء الوحى، باب ٦، ح ٧) ومسلم فى (الجهاد، باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام ٣/ ١٣٩٣- ١٣٩٧، ح ١٧٧٣) عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon