فدلَّ على أنها حروف حال التلاوة. نعم قد قرئ «يسُ» بضم النون، ونصبها، خارج السبعة، وعلى ذلك تخرج بأن اللفظ اسم للسورة، كأنه قال: اتل يس، على النصب، وعلى أنها اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وتوجه في قراءة الضم على النداء. هـ. قلت: والظاهر إنها حروف مختصرة من السيد، على طريق الرمز بين الأحباء، إخفاء عن الرقباء.
ثم أقسم على رسالته، ردّاً على مَن أنكره بقوله: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أي: ذي الحكمة البالغة، أو: المحكم الذي لا ينسخه كتاب، أو: ذي كلام حكيم، فوصف بصفة المتكلم به، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ مِن أعظمهم وأجلِّهم. وهو ردٌّ على مَن قال من الكفار: لَسْتَ مُرْسَلًا «١». عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: كائناً على طريق مستقيم، يوصل مَن سلكه إلى جوار الكريم، فهو حال من المستكن في الجار والمجرور. وفائدته: وصف الشرع بالاستقامة صريحاً، وإن دلَّ عليه: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ التزاماً، أو: خبر ثان لإنَّ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قال القشيري: يس، معناه: يا سيد- رقَّاه أشرف المنازل، وإن لم يسم إليه بطرق التأميل، سُنَّة منه سبحانه أنه لا يضع أسراره إلا عند مَن تقاصرت الأوهام عن استحقاقه، ولذلك قَضوا بالعَجَب في استحقاقه، وقالوا: كيف آثر يتيم أبي طالب من بين البرية، ولقد كان- صلوات الله عليه- في سابق اختياره تعالى مقدّماً على الكافة من أشكاله وأضرابه، وفي معناه قيل:
هذا وإن أصبح في أطمار... وكان في فقر من اليسار
آثرُ عندي من أخي وجاري... وصاحب الدرهم والدينار
وصاحب الأمر مع الإكثار «٢». هـ.

(١) من الآية ٤٣ من سورة الرعد.
(٢) وردت الأبيات- كاملة- فى قصة، ذكرها ابن كثير فى البداية والنهاية (٨/ ٨٩- ٩٠)، وملخصها:
كان معاوية بن أبى سفيان على السماط، فمثل بين يديه شاب من بنى عذرة، فأنشده شعرا، مضمونه: التشوق إلى زوجته سعاد.
وقال: يا أمير المؤمنين: إنى كنت متزوجا بابنة عم لى، وكان لى إبل وغنم، وأنفقت ذلك عليها، فلما قلّ ما بيدي رغب عنى أبوها، وشكانى إلى عاملك بالكوفة (ابن أم الحكم) وبلغه جمالها، فحبسنى، وحملنى على أن أطلقها، فلما انقضت عدتها أعطاها عاملك عشرة آلاف درهم، فزوّجه إياها، فهل من فرج؟
فكتب معاوية إلى ابن أم الحكم يؤنبه، وأمره بطلاقها، فطلقها، وسيّرها إلى معاوية، وخيّرها معاوية بين زوجها وابن أم الحكم، فاختارت زوجها الأول، وأنشدت الأبيات:
هذا وإن أصبح في أطمار... وكان فى نقص من اليسار
أكبر عندى من أبى وجاري... وصاحب الدرهم والدينار
أخشى إذا غدرت حر النار... خلى سبيلى ما به عار
لعلنا نرجع للديار... وأن عسى نظفر بالأوطار
راجع أيضا: تزيين الأسواق (١/ ٢٤٩)، ونهاية الأرب (٢/ ١٥٩)، ولطائف الإشارات (١/ ٤٢- ٤٣).


الصفحة التالية
Icon