ثم ذكر كفرهم لهذه النعم، فقال:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧)
قلت: جواب «إذا» محذوف، أي: أعرضوا، فدلّ عليه قوله: «معرضين».
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ أي: كفار قريش: اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ أي:
ما تقدّم من ذنوبكم، وما تأخّر مما أنتم تعملونه بعدُ، أو: ما بين أيديكم: ما سلف من مثل الوقائع التي حلَّت بالأمم المكذبة قبلكم، وما خلفكم من أمر الساعة، أو: ما بين أيديكم من فتنة الدنيا، وما خلفكم من عذاب الآخرة.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لتكونوا في رجاء رحمة الله، فإذا قيل لهم ذلك أعرضوا.
قال تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ الدالة على وحدانية تعالى، وصدق رسوله، إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لا يلتفتون إليها، ولا يرفعون لها رأساً، ف «من» الأولى لتأكيد النفي، والثانية للتبعيض، أي: دأبهم الإعراض عن كل آية وموعظة.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: تصدّقوا على الفقراء، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من مشركي مكة لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ. عن ابن عباس رضي الله عنه: كان بمكة زنادقة، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين، قالوا: لا والله، أيُفقره الله ونُطعمه نحن؟! «١». قيل: سبب الآية: أن قريشاً لَمّا أسلم ضعفاؤهم، قطعوا عنهم صِلاتهم، فندبهم بعضُ المؤمنين إلى ذلك، فقالوا تلك المقالة.
وقيل: إن قريشاً شَحَّتْ- بسبب أزمة نزلت بهم- على المساكين، مؤمِنهم وكافرهم، فندبهم النبي ﷺ إلى النفقة على المساكين، فقالوا على سبيل الجهل: أَنُطعم قوماً أراد الله فقرهم وتعذيبهم. ومن أمثالهم: كن مع الله على المدبر، حتى كان الرجل يرعى إبله، فيجعل السِمَان في الخصب، والمهازيل في الجدب، فإذا قيل له في ذلك، قال:

(١) انظر: البحر المحيط (٧/ ٣٢٥) وتفسير القرطبي (٦/ ٥٦٤١).


الصفحة التالية
Icon