وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي: حور قصرت أبصارهنّ على أزواجهن، لا يمددن طرفاً إلى غيرهم عِينٌ: جمع عيناء، أي: نجلاء، واسعة العين. يقال: رجل أعين، وامرأة عيناء، ورجال ونساءٌ عينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ مصون مستور. شبههنّ ببيض النعام المكنون من الريح والغبار، في الصفاء والبياض.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ في الجنة، تساؤل راحة وتنعُّم. والمعنى: أنهم يشربون ويتحادثون على الشرب، كعادة الشَّرْب «١». قال الشاعر:

ومَا بَقيتُ من اللَّذَّاتِ إِلاَّ أحاديثُ الكِرَامِ عَلَى المُدَامِ
أو: أقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى عليهم في الدنيا. وجيء به ماضياً على ما عرف في أخباره المحققة الوقوع.
الإشارة: المخلَصين- بالفتح- أبلغ من المخلِصين- بالكسر- المخلَصين: أخلصهم الله واصطفاهم، والمخلصى: ن طالبين الإخلاص، مجتهدين فيه، الأولون مجذوبون، والآخرون سالكون، الأولون محبوبون، والآخرون مُحبون، الأولون واصلون، والآخرون سائرون. قال القشيري: والإخلاص: إفرادُ الحقِّ- سبحانه- بالعبودية، فالذي يشوبُ عمله برياء ليس بمخلص. ويقال: الإخلاص: تصفية العمل، لا توفيقه، وفي الخبر:
«يا معاذ: أخلص العملَ، يكفك القليل منه» «٢». ويقال: الإخلاص: فقد رؤية الأشخاص. هـ.
أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ للمخلَصين- بالفتح- رزق أرواحهم وأسرارهم، من النظر إلى وجه الحبيب في كل ساعة. وللمخلصين، رزق أشباحهم مما يشتهون. وقد يجتمع لهما، ويغلب لكل واحد ما كان الغالب على همته في الدنيا. وهم مكرمون بالتقريب والمشاهدة، على قدر سعيهم هنا، ويشربون كأس المحبة والاصطفاء على قدر شربهم هنا خمرة المعاني، وشرب خمرة المعاني على قدر الغيبة عن حس الأواني والزهد في بهجتها.
وقوله تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، كان من تمام نعميهم في الشرب: التحادث عليها بما يُناسب حالها، ومدحها، كما قال الشاعر:
وإذا جسلت إلى المدام وشربه فاجعل حديثك كله في الكاس
(١) الشّرب: القوم يشربون، ويجتمعون على الشراب، جمع شارب، كركب ورجل. انظر اللسان (شرب ٤/ ٢٢٢).
(٢) عزاه السيوطي فى الجامع الصغير (ح ٢٩٨) لابن أبى الدنيا فى الإخلاص، والحاكم، عن معاذ.


الصفحة التالية
Icon