ولَمَّا قال له: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ به سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ على الذبح. رُوي أن إبراهيم قال لابنه: انطلق بنا نُقرب قرباناً لله تعالى، فأخذ سكيناً وحبلاً، ثم انطلق معه، حتى إذا ذهب بين الجبال، قال له الغلام: يا أبتِ أين قربانك؟ فقال: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ... الآية، فقال: يا أبت خذ بناصيتي، واجلس بين كتفي، حتى لا أؤذيك إذا أصابتني الشفرة، ولا تذبحني وأنت تنظر لوجهى لئلا ترحمنى، واجعل وجهى إلى الأرض. وفى رواية واذبحني وأنا ساجد، واقرأ على أمي السلام، وإن رأيت أن تردّ قميصي إلى أمي فافعل، عسى أن يسليها عني. قال إبراهيم: نِعْمَ العون أنت على أمر الله تعالى. فربطه إبراهيم عليه السلام ثم جعل يُقبّله، وهو يبكي، والابن يبكي، حتى استنقعت الدموع تحت خده.
فَلَمَّا أَسْلَما أي: انقادا لأمر الله وخضعا. وعن قتادة: أسلم هذا ابنه، وهذا نفسه. وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ صرعه على جنبه، ووضع السكين على حلقه، فلم تعمل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين، ونودي:
قيل: البشارة وقعت على المجموع على ذاته ووجوده، وأن يكون نبيا، ولهذا نصب «نبيا» على الحال المقدر، أي: مقدرا نبوته، فلا يمكن إخراج البشارة أن تقع على الأصل، ثم تخص بالحال التابعة الجارية مجرى الغفلة، هذا محال من الكلام، بل إذا وقعت البشارة على نبوته، فوقوعها على وجوده أولى وأحرى.
أن البشارة بإسحاق وقعت مقرونة بولادة يعقوب، على ما هو الظاهر من قوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ، وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ سورة هود/ ٧١، ولا يتصور أن يبشر بالولد وولد الولد دفعة، ثم يؤمر بذبح الولد قبل ولادة ولده.
وأيضا: فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعى بين الصفا والمروة، ورمى الجمار، تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة، دون إسحاق وأمه. وكان النحر بمكة من تمام حج البيت، ولو كان الذبح بالشام- كما يزعم أهل الكتاب- لكانت القرابين والنحر بالشام، لا بمكة.
وفى هذا الشأن نقل عن الأصمعى أنه قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح، فقال: يا أصمعى أين عقلك، ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه، والمنحر بمكة.
أما من نقل من أخبار من أن الذبيح هو إسحاق فهو منقول عن أهل الكتاب، وحال أهل الكتاب، لا يخفى عل ذوى الألباب، ونقل ابن القيم فى زاد المعاد (١/ ٧١) عن الشيخ ابن تيمية- رحمهما الله- قوله: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفى لفظ: «وحيده» ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده، والذي غرّ أصحاب هذا القول أن فى التوراة، التي بأيديهم: اذبح ابنك إسحاق. وقال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم، لأنها تناقض قوله: (اذبح بكرك ووحيدك)، ولكن اليهود حسدت بنى إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويختاروه لأنفسهم دون العرب، ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله».
للمزيد فى هذه المسألة انظر: مفاتيح الغيب (٣/ ٢٤٧) - تفسير ابن كثير (٤/ ١٧- ١٩) زاد المعاد لابن القيم (١/ ٧١- ٧٥) القول الفصيح، للسيوطى، ضمن كتاب الحاوي (١/ ٣١٨- ٣٢٢) - الإسرائيليات والموضوعات، للدكتور أبى شهبة (٢٥٢- ٢٦٠).