البخاري «١». وقال ابن رشد: ليس بعد الشرك أقبح من الزنا لِما فيه من هتك الأعراض واختلاط الأنساب، ومن تاب فإن الله يتوب على من تاب. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ: قال في الإحياء: في الحديث: «خيار أمتي أَحِدَّاؤُهَا» «٢» يعني: في الدين قال تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ، فالغيرة على الحُرَمِ، والغضب لله وعلى النفس، بكفها عن شهوتها وهواها، محمود، وفَقْدُ ذلك: مذمومٌ. هـ. وبالله التوفيق.
ثم نهى عن نكاح الزواني، فقال:
[سورة النور (٢٤) : آية ٣]
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)
يقول الحق جلّ جلاله: من شأن الزَّانِي الخبيث: أنه لا يرغب إلا في زانية خبيثة من شكله، أو في مشركة، والخبيثة المسافحة لا يرغب فيها إلا من هو من شكلها، من الفسقة أو المشركين. وهذا حُكْمٌ جار على الغالب المعتاد، جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني، بعد زجرهم عن الزنا بهن إذ الزنا عديل الشرك في القبح، كما أن الإيمان قرين العفاف والتحصن، وهو نظير قوله: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ «٣».
روي أن المهاجرين لَمَّا قدموا المدينة، وكان فيهم من ليس له مال ولا أهل، وبالمدينة نساء بغايا مُسافِحَات، يُكرين أنفسهن، وهُنَّ أخْصَبُ أهل المدينة، رغب بعضُ الفقراء في نكاحهن لحسنهن، ولينفقوا عليهم من كَسْبِهِنّ، فاستأذنوا النبي ﷺ فنزلت «٤»، فنفرهم الله تعالى عنه، وبيَّن أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين، فلا تحوموا حوله لئلا تنتظموا في سلكهم وتَتَّسِمُوا بسمتهم.
قيل: كان نكاح الزانية محرماً في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ «٥». وقيل: المراد بالنكاح: الوطء، أي: الزاني لا يزني إلا بزانية مثله، وهو بعيد، أو باطل.

(١) أخرجه البخاري، مطولا فى (الجنائز، باب ٩٣ ح ١٣٨٦) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الطبراني فى الأوسط (ح ٥٧٩٣) والبيهقي فى الشعب (ح ٨٣٠١) من حديث سيدنا علىّ، بسند ضعيف، وزادا: (والذين إذا غضبوا رجعوا).. [.....]
(٣) الآية ٢٦ من سورة النور.
(٤) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٣٨) لابن أبى حاتم، عن مقاتل.
(٥) من الآية ٣٢ من سورة النور.


الصفحة التالية
Icon