ثم ذكر ضدهم، فقال: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا أي: مكاناً يستقرون فيه، والمستقر: المكان الذي يستقر فيه في أكثر الأوقات، للتجالس والتحادث، وَأَحْسَنُ مَقِيلًا: مكاناً يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم. ولا نوم في الجنة، ولكنه سمي مكان استرواحهم إلى أزواجهم الحور مقيلا على طريق التشبيه. ورُوي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
وقال سعيد الصواف: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين، حتى يكون ما بين العصر إلى غروب الشمس، إنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من حساب الناس. وقرأ هذه الآية. هـ. وأما الكافر فيطول عليه، كما قال تعالى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ «١».
قال أبو السعود: وفي وصفه بزيادة الحسن، مع حصول الخيرية، رمز إلى أنه مزين بفنون الزين والزخارف.
والتفضيل المعتبر فيهما: إما لإرادة الزيادة على الإطلاق، أي: هم في أقصى ما يكون من خيرية المستقر وحسن المقيل، وأما بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعمين في الدنيا، أو إلى ما لهم في الآخرة، بطريق التهكم بهم، كما مرّ في قوله: أَذلِكَ خَيْرٌ.. الآية. هـ.
الإشارة: هؤلاء طلبوا الرؤية قبل إِبَّانِهَا وتحصيل شروطها، وهي الإيمان بالله، والإخلاص، والخضوع لمن يدل على الله، وذل النفس وتصغيرها في طلب الله. ولذلك قال تعالى في وصفهم- الذي منعهم من شهوده تعالى: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً أي: ولو صغروا في أنفسهم، وخضعوا خضوعاً كبيراً لحصل لهم ما طلبوا، ولبُشروا بما أملوا، وفي ذلك يقول الشاعر:
تَذَلَّلْ لِمنْ تَهْوَى فَلَيْسَ الْهَوى سَهْلُ | إِذَا رَضِيَ المحبوبُ صَحّ لَكَ الوَصْلُ |
تذلَّلْ لَهُ تَحْظَى بِرُؤيَا جَمالِهِ | فَفِي وَجْهِ مَنْ تَهْوَى الْفَرَائِضُ والنَّفْلُ |
وفي قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ.. الخ، الترغيب في الإخلاص الموجب لقبول الأعمال، والترهيب من الرياء والعجب، الموجبان لإحباط الأعمال. وفي حديث معاذ عنه صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق سبعة أملاك قبل خلق السموات، ووكل كل مَلَكٍ بباب من أبواب السماء، فتصعد الحفظة بعمل العبد إلى السماء الأولى، فيقول المَلَكُ: ردوه، واضربوا به وجهه إنَّ صاحبه كان يغتاب الناس، ثم تصعد الحفظة بعمل العبد إلى