وقال آخر:
اصْحَبْ خِيَارَ الناسِ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ | خَيْرُ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ عَفِيفا |
والنّاس مثل دَرَاهِمٍ مَيَّزْتُها | فَوَجَدْتُ فيهَا فِضَّةً وُزُيُوفا |
«لا تصحب من لا يُنْهِضُكَ حاله، ولا يَدُلُّكَ على الله مَقَالُهُ». فإنهاض الحال هو ذكر الله عند رؤيته، والانحياش إليه بالقلب عند صحبته. ودلالة المقال على الله هو زجه في الحضرة بلا تعب، بان يرفع بينه وبين ربه الحُجُبَ، ويقول له: ها أنت وربك. وهذه حال الصوفية العارفين بالله، وقد وصفهم بعض العلماء، فقال: الصوفي من لا يعرف في الدارين أحداً غير الله، ولا يشهد مع الله سوى الله، قد سخر له كل شيء، ولم يُسخر هو لشيء، يسلط على كل شيء، ولم يسلط عليه شيء، يأخذ النصيب من كل شيىء، ولم يأخذ النصيبَ منه شيء، يصفو به كدر كل شيء، ولا يكدر صَفْوَه شيء، قد أشغله واحد عن كل شيء، وكفاه واحد من كل شيء. هـ.
قال في التنبيه: وبصحبة أمثال هؤلاء يحصل للمريد من المزيد ما لا يحصل له بغيرها من فنون المجاهدات، وأنواع المكابدات، حتى يبلغ بذلك إلى أمر لا يسعه عقل عاقل، ولا يحيط به عالم ناقل. هـ. وفي شانهم أيضاً قال صاحب العينية رضي الله عنه:
فَشَمِّرْ ولُذْ بالأَوْليَاءِ فَإنَّهُمْ | لهُمْ مِنْ كِتَابِ الحَقِّ تلْكَ الوقَائعُ |
هُمُ الذُّخْرُ لِلمَلهُوفِ، والكَنْزُ لِلرَّجَا، | وَمِنْهُمْ يَنَالُ الصَّبُّ مَا هُوَ طامعُ |
بهِم يَهْتَدي للعينِ مَن ضَلَّ فِي العَمَى | بهِم يُجذَبُ العُشَّاقُ، والرَّبْعُ شاسعُ |
هُمُ القَصْدُ، والمطلوبُ، والسؤلُ، والمنَى | واسْمُهُم لِلصَّبِّ، فِي الحُبِّ شَافِعُ |
هُم الناسُ، فالزمْ إنْ عَرفْتَ جَنَابَهُمْ | فَفِيهِم لِضُرِّ العَالَمِينَ منافع |
(١) أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٤/ ٤٠٤)، وأخرجه، بلفظ مقارب، البخاري فى (الذبائح، باب المسك، ح ٥٥٣٤)، ومسلم فى (البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين، ٤/ ٢٠٢٦، ح ٢٦٢٨).