وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ أي: وما ينتظر أهل مكة. وفي الإشارة إليهم بهؤلاء تحقير لشأنهم، وتهوين لأمرهم، أي: وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المهلكة في الكفر والتكذيب، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً وهي النفخة الثانية لما فيها من الشدة والهول، فإنها داهية، يعم هولها جميع الأمم، برَّها وفاجرها. والمعنى: أنه ليس بينهم وبين حلول ما أعد الله لهم من العقاب إلا نفخة البعث، أُخرت عقوبتهم إلى الآخرة لأن حلولها بهم في الدنيا يوجب الاستئصال، وقد قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ «١»، فأخرت ليوم القيامة.
وأما ما قيل من أنها النفخة الأولى فمما لا وجه له لأنه لا يشاهد هولَها، ولا يصعَق بها إلا مَن كان حيًّا عند وقوعها. قاله أبو السعود.
ما لَها مِنْ فَواقٍ أي: مِن توقُّف مقدار فواق، هو ما بين حلبتي الحالب، أي: إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان. وعن ابن عباس: ما لها من رجوع وترداد، من أفاق المريض: إذا رجع إلى الصحّة، وفواق الناقة: ساعة يرجع الدرّ إلى ضرعها. يريد: أنها نفخة واحدة، لا تثنى، ولا تردد. والفواق بمعنى التأخر، فيه لغتان: الفتح والضم، وأما ما بين حلبتي الناقة، فبالضم فقط.
الإشارة: ما جرى على مكذبي الرسل يجري في مكذِّبي الأولياء، إلاَّ أن عذابهم البُعد والطرد، وحرمان معرفة العيان. وبالله التوفيق.
ثم ذكر استعجالهم العذاب، فقال:
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٦ الى ٢٠]
وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: كفار مكة لَمَّا سمعوا بتأخير عقابهم إلى الآخرة: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي: حظّنا من العذاب الذي وعدتنا به، قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ولا تؤخره إلى الصيحة المذكورة. وفي القاموس: القِط- بالكسر: النصيب، والصَّك، وكتاب المحاسبة. هـ. أو: عَجِّل لنا صحيفة أعمالنا لننظر فيها، أو: