المرسِل والمرسَل إليه، وهو كالمقدمة لقوله: يُلْقِي الرُّوحَ... الخ. هذا على أنه اسم فاعل، مبالغة، وقيل: هو صفة مشبهة أُضيفت إلى فاعلها، أي: رفيعٌ درجاتُه بالعلو والقهرية.
ذُو الْعَرْشِ أي: مالكه، وهما خبران آخران عن هُوَ الَّذِي... الخ، إيذاناً بعلو شأنه، وعِظم سلطانه، الموجبين لتخصيص العبادة به، وإخلاص الدين له بطريق الاستشهاد بهما عليهما فإنَّ ارتفاع الدرجات والاستيلاء على العرش- مع كون العرش محيطاً بأكناف العالم العلوي والسفلي، وهو تحت ملكوته وقبضة قهره مما يقضي بكون علو شأنه وعظيم سلطانه- في غايةٍ لا غاية ورائها. قاله أبو السعود.
ثم ذكر سبب رفع الدرجات بقوله: يُلْقِي الرُّوحَ أي: ينزل الوحي، الجاري من القلوب بمنزلة الروح من الأجسام، وكأنه لَمَّا ذكر رزق الأجسام أتبعه برزق الأرواح، الذي هو العلم بالله، وطريقُه الوحي. والتعبير بالمضارع، قال الطيبي: يفيد استمرار الوحى من لدن آدم إلى زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم اتصاله إلى قيام يوم التنادي، بإقامة مَن يقوم بالدعوة، على ما روى أبو داود، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ اللهَ سَيَبْعَثُ لهذه الأمة عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سنَة مَن يُجَدِّدُ لها دِينَها» «١» ومعنى التجديد: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسُنَّة، والأمر بمقتضاهما. هـ.
قلت: وقد زرت شيخنا البوزيدى رضي الله عنه مرة، فلما وقع بصره عليّ، قال: واللهِ، حتى يُحْيي الله بك الدين المحمدي. وكتب لي شيخ الجماعة، وقطب دائرة التربية، مولاى العربي الدرقاوى رضي الله عنه، فقال في آخر كتابه:
وأرجو من الله ألا تموت حتى تكون داعياً إلى الله، تُذكّر أهل المشرق والمغرب. أو ما هذا معناه، وقد وقع ذلك، والحمد لله.
وقوله: مِنْ أَمْرِهِ أي: من قضائه، أو: بأمره، فيجوز أن يكون حالاً من الروح، أو متعلقاً ب (يُلقِي) أي:
يُلقِي الروح حال كونه ناشئاً، أو: مبتدئاً من أمره، أو: يُلقي الوحي بسبب أمره عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وهو الذي اصطفاه لرسالته، وتبليغ أحكامه إلى عباده، لِيُنْذِرَ أي: الله، أو: المُلْقَى عليه، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قراءة يعقوب بالخطاب، أي: لتخوُّف يَوْمَ التَّلاقِ يوم القيامة لأنه يتلاقى فيه أهل السموات وأهل الأرض، والأولون والآخرون، و (يوم) : ظرف للمفعول الثاني، أي: ليُنذر الناسَ العذابَ يوم التلاق، أو: مفعول ثان ليُنذر، فإنه من شدة هوله وفظاعته حقيق بالإنذار.