والمدائن المتينة. وقيل: المعنى: وأكثر آثاراً، أي: ترك آثار في الأرض، كالحصون وغيرها. فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أخذاً وبيلاً، وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي: لم يكن لهم شيء يقيهم من عذاب الله.
ذلِكَ الأخذ بِأَنَّهُمْ بسبب أنهم كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الدالة على صدقهم، أو: بالأحكام الظاهرة الجلية، فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ، متمكن مما يريد غاية التمكُّن، قادر على كل شيء، شَدِيدُ الْعِقابِ لا يُؤبَه عند عقابه بعقاب.
الإشارة: قال القشيري: أَوَلَمْ يسيروا بنفوسهم في أقطار الأرض، ويطوفوا مشارقَها ومغاربَها، فيعتبروا بها، فيذهبوا فيها؟ ويسيروا بقلوبهم في الملكوت بجَوَلان الفكر، فيشهدوا أنوار التجلي، فيستبصروا بها؟ ويسيروا بأسرارهم في ساحات الصمدية، فيُستهلكوا في سلطان الحقائق، ويتخلَّصُوا من جميع المخلوقات قاصيها ودانيها؟
ثم قال: قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، إِنْ بغى من أهل السلوك، قاصدٌ لهم يصل إلى مقصوده، فَلْيَعلم أنَّ موجِبَ حجبته اعتراضٌ خَامَرَ قلبَه على بعض شيوخه، في بعض أوقاته، فإِنَّ الشيوخَ بمحلِّ السفير للمريدين. وفي الخبر: «الشيخ في أهله كالنبيِّ في أمته» «١». هـ.
ثم سلّى نبيه بقصة موسى عليه السلام، فقال:
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٣ الى ٢٧]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧)