قال القشيري: يقال: إن تكذيبهم وتكذيب سلفهم للأنبياء- عليهم السلام- كان قديماً حتى أهلكهم، كذلك يفعل بهؤلاء «١». هـ.
كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ أي: مثل ذلك الإضلال الفظيع يُضل الله مَن هو مسرف في عصيانه، شاكّ في دينه، لم يتفكّر فيما شهدت البينات بصحته لِغلبة الوهم، والانهماك في التقليد.
ثم فسّره فقال: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بالرد والإبطال بِغَيْرِ سُلْطانٍ بغير حجة واضحة، تصلح للتمسُّك بها في الجملة، أَتاهُمْ: صفة لسلطان، أي: بغير برهان جاءهم بصحة ذلك، كَبُرَ مَقْتاً أي: عَظُمَ بُغضاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا، وفيه ضرب من التعجُّب والاستعظام. وفي «كبُر» ضمير يعود على «مَنْ» وتذكيره باعتبار اللفظ. كَذلِكَ أي: مثل ذلك الطبع الفظيع يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ فيصدر منه أمثال ما ذكر من الإسراف، والارتياب، والمجادلة بالباطل. ومَن قرأ بالتنوين «٢» فوصف لقلب، وإنما وصف بالتكبُّر والتجبُّر لأنه منبعهما، كما تقول: سَمِعَتِ الأذن، كقوله: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «٣» وإن كان الإثم للجملة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يُقال لأهل كل عصر: ولقد جاءكم فلان- لوليِّ تقدم قلبهم- بالآيات الدالة على صحة ولايته، فما زلتم، أي: ما زال أسلافكم من أهل عصره- في شك منه، حتى إذا مات ظهرت ولايته، وأقررتم بها، وقلتم: لن يبعث الله من بعده وليّاً، وهذه عادة العامة، يُقرون الأموات من الأولياء، ويُنكرون الأحياء. وهي نزعة أهل الكفر والضلال، كذلك يُضل الله من هو مسرف مرتاب، كالذين يُخاصمون في ثبوت الخصوصية عند أربابها، من غير برهان، وهو شأن المنكرين، كذلك يطبعُ الله على كل قلب متكبر جبار.
ثم ذكر عتو فرعون وطغيانه، فقال:
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧)
(٢) قرأ أبو عمر (قلب) بالتنوين فى الباء على قطع «قلب» عن الإضافة، وجعل التكبر والجبروت صفته، وقرأ الباقون بغير تنوين بإضافة «قلب» إلى ما بعده. واختلف عن ابن عامر. انظر الإتحاف (٢/ ٤٣٧).
(٣) من الآية ٣٨٣ من سورة البَقَرَة.