فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: فاصبر على ما يُجرّعك قومك من الغُصَص إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرك وإعلاء دينك، على ما نطق به قوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
«١»، حَقٌّ لا يحتمل الاختلاف بحال. قال الطيبي: الآية تشير إلى نصره على أعدائه، كموسى، وأنه يظهر دينه على الدين كله، ويورث كتابه ليعتصموا به، فيكون لهم هُدًى وذكرى، وعزّاً وشرفاً. هـ. أي:
ولذلك قدّم ذكر موسى على بشارته بالنصر ليتم التشبيه.
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، تشريعاً لأمتك فإِنَّ الاستغفار يمحو الذنوب التي تعوق عن النصر، أو: تداركاً لِمَا فرط منك من ترك الأَوْلَى في بعض الأحايين، فإِنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين. والحاصل: أنَّ كل مقام له ذنب يليق به، وهو التقصير في القيام به على ما يليق به، فالنبى صلّى الله عليه وسلم كُلف بدوام الشهود ولو في حال التعليم، فإذا غاب عن الحق لحظة بشغل البال بالتعليم، كان في حقه نقصاً يُوجب الاستغفار. ثم قال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ أي: دُم على التسبيح ملتبساً بحمده، أي: قل: سبحان الله وبحمده، أو: صَلّ في هذين الوقتين، إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وعشيّاً، وقيل: هما صلاة العصر والفجر، خصصهما لشرفهما.
إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ ويجحدونها بِغَيْرِ سُلْطانٍ برهان أَتاهُمْ من جهته تعالى، بل عناداً وحسداً. وتعليق المجادلة بذلك، مع استحالة إتيانه للإيذان بأن التكلم في أمر الدين لا بد من استناده إلى برهان، وهذا عام لكل مجادل، محق أو مبطل، وإن نزل في مشركي مكة. وقوله: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ:
خبر «إِنْ»، أي: ما في قلوبهم إلا تكبُّر عن الحق، وتعاظم عنه، وهو إرادةُ التقدم والرئاسة، وألا يكون أحدٌ فوقهم، فلذلك عادوك، ودفعوا آياتك، خيفة أن تتقدمهم، ويكونوا تحت قهرك لأن النبوة تحتها كُل ملك ورئاسة، أو: إرادة أن تكون لهم النبوة دونك، حسداً وبغياً، كقولهم: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «٢»، لَوْ كانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونا إِلَيْهِ «٣».
ثم وصف كِبْرَهم بقوله: ما هُمْ بِبالِغِيهِ أي: ما هم ببالغي موجب ذلك الكبر ومقتضاه، وهو ما أرادوه من التقدُّم والرئاسة، وقيل: نزلت في اليهود، وهم المجادلون، كانوا يقولون: لست صاحبنا المذكور في التوراة، بل هو المسيح بن داود، يعنون الدجال، يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهو آية من
(٢) الآية ٣١ من سورة الزخرف.
(٣) من الآية ١١ من سورة الأحقاف. [.....]