قلت: (الذين يُجادلون) : بدل من الموصول قبله المجرور، أو: رفع، أو: نصب على الذم.
يقول الحق جلّ جلاله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ، كرر الحق تعالى الجدال في هذه السورة ثلاث مرات، فإما أن يكون في ثلاث طوائف: الأول في قوم فرعون، والثاني في اليهود، والثالث في المشركين، وإما للتأكيد، أي: انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آيات الله الواضحة، الموجبة للإيمان بها، الزاجرة عن الجدال فيها، أَنَّى يُصْرَفُونَ أي: كيف يُصرفون عنها، مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها، وانتفاء الصوارف عنها بالكلية.
وهذا تعجيب من أحوالهم الركيكة، وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن، أو بسائر الكتب والشرائع، كما أبانه بقوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ أي: بالقرآن، أو: بجنس الكتب السماوية، وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من سائر الكتب، أو: لوحى، أو: الشرائع، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلوا من الجدال والتكذيب، عند مشاهدتهم لأنواع العقوبات.
إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ أي: سوف يعلمون حين تكون الأغلال في أعناقهم. و «إذ» : ظرف للماضي، والمراد به هنا: الاستقبال لأن الأمور المستقبلة لَمّا كانت محققة الوقوع، مقطوعاً بها، عبّر بما كان ووجد. وَفى أعناقهم أيضاً السَّلاسِلُ. وفي تفسير ابن عرفة: ولا يجوز مثل ذلك في العقوبات الدنيوية، وقياسه على العقوبات الأخروية خطأ، وفاعله مخطئ غاية الخطأ، ولم يذكر الأئمة في اعتقال المحبوس للقتل إلا أنه يجعل القيد من الحديد في رِجْلِه، خيفة أن يهرب، وأما عنقه فلا يُجعل فيه شيء. هـ. يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ أي:
يُجرّون في الماء الحارّ، وهو استئناف بياني، كأن قائلاً قال: فماذا يكون حالهم بعد ذلك؟ فقال: يُسحبون في الحميم، ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ويُحرقون، من: سَجَر التنّور: إذا ملأه بالوقود، والمراد: أنهم يُعذبون بأنواع العذاب، ويُنقلون من لون إلى لون.
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أي: غابوا، وهذا قبل أن يُقرن بهم آلهتهم، أو: ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم، بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أي: تبيّن لنا أنهم لم يكونوا شيئاً. أو: يكون إنكاراً منهم، كقولهم: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «١». وهذا كله مستقبل عبّر عنه بالماضي