قلت: (وتجعلون) : عطف على (تكفرون). و (جَعَلَ) : عطف على (خَلَقَ) دَاخِلٌ في حيز الصلة، و (سواء) :
مَن نَصَبَه فمصدر، أي: استوت سواء. ومَن جَرَّه فصفة لأيام، ومَن رفعه فخبر هي سواء. و (للسائلين) : متعلق بقدّر، أو: بمحذوف، أي: هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض.
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وهما الأحد والاثنين، تعليماً للتأني، ولو أراد أن يخلقها في لحظة لفعل. وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً شركاء وأشباهاً. والحال أنه لا يمكن أن يكون له ند واحد، فضلاً عن التعدُّد، وكيف يكون الحادث المعدوم ندّاً للقديم؟! ذلِكَ الذي خلق ما سبق.
وما في الإشارة من معنى البُعد مع قرب العهد بالمشار إليه لبُعد منزلته في العظمة، أي: ذلك العظيم الشأن هو رَبُّ الْعالَمِينَ أي: خالق جمع الموجودات ومُربِّيها، فكيف يتصور أن يكون أخس الخلق نِدّاً له؟! وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جبالاً ثوابت كائنة مِنْ فَوْقِها، وإنما اختار إرساءها من فوق الأرض لتكون منافع الجبال مُعرَضة لأهلها، ويظهر للناظرين ما فيها من مراصد الاعتبار، ومطارح الأفكار، فإن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها ممسَكة بقدرة الله عزّ وجل. وَبارَكَ فِيها أي: قدّر بأن يكثر خيرها بما يخلق فيها من منافع، ويجعل فيها من المصالح، وما ينبت فيها من الطيبات والأطعمة وأصناف النعم. وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي: حكم أن يوجد فيها لأهلها ما يحتاجون إليه من الأقوات المختلفة المناسبة لهم على مقدار مُعين، تقتضيه الحكمة والمشيئة، وما يصلح بمعايشهم من الثمار والأنهار والأشجار، وجعل الأقوات مختلفة في الطعم والصورة والمقدار، وقيل: خصابها التي قسمها في البلاد. جعل ذلك فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي: تتمة أربعة أيام، يومين للخلق، ويومين لتقدير الأقوات، كما تقول: سِرت إلى البصرة في عشرة، وإلى الكوفة في خمسة عشر، أي: في تتمة خمسة عشر، ولو أجري الكلام على ظاهرة لكانت ثمانية أيام يومين للخلق، وأربعة للتقدير، ويومين لخلق السماء، وهو مناقض لقوله: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ «١».