الإشارة: أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة: إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه:
أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل» «١» وقال أيضاً: «يقول الله- عزّ وجل: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي... » الحديث «٢» فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرا. وبالله التوفيق.
ثم إن سبب الغواية أو الهداية هى الصحبة، كما قال تعالى:
[سورة فصلت (٤١) : آية ٢٥]
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقَيَّضْنا أي: سيَرنا، أو: قدّرنا، لَهُمْ أي: كفار مكة في الدنيا قُرَناءَ سوء من الجن والإنس، أو: سلطنا عليهم نظراء لهم من الشياطين يستولون عليهم، كقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ «٣»، فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمور الدنيا، واتباع الشهوات، والتقليد لأسلافهم، حتى حادوا عن الحق، وَما خَلْفَهُمْ من أمور الآخرة، حيث ألقوا إليهم: ألاَّ بعث ولا حساب. أو: ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي: ثبت وتقرّر عليهم كلمة العذاب، أو: تحقق موجبها ومصداقها، وهي قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ «٤»، حال كونهم فِي جملة أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: قبل أهل مكة مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري فى (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، ح ٧٤٠٥) ومسلم فى (كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، ٤/ ٢٠٦١ ح ٢٦٧٥) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(٣) الآية ٣٦ من سورة الزخرف.
(٤) من الآية ٨٥ من سورة «ص».