يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من رؤساء المشركين لأتباعهم، أو: بعضهم لبعض: لاَ تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ إذا قرئ، أي: لا تنصتوا له لأنه يقلب القلوب، ويسبي العقول، وكل مَن استمع إليه صبا إليه، وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أي: عارضوه بكلام غير مفهوم، أو: بالخرافات من الرّجَز والشعر والتصدية، وارفعوا أصواتكم بها لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أي: تغلبونه على قراءته، وشوِّشوا عليه فيقع في الغلط، أو: لا يسمعه منه أحد.
واللغو: الساقط من الكلام الذي لا طائلَ تحته.
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: فو الله لنذيقن هؤلاء اللاغين والقائلين، أو: جميع الكفار، وهم داخلون فيهم دخولا أولياء. عَذاباً شَدِيداً لا يُقادر قدره، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي: أعظم عقوبة على أسوأ أعمالهم، وهو الكفر، وقيل: إنه لا يجازيهم بمحاسن أعمالهم، كإغاثة الملهوفين، وصلة الأرحام، وقرى الضيق لأنها محبطة بالكفر، وإنما يجازيهم على أسوئها. وعن ابن عباس: عَذاباً شَدِيداً: يوم بدر، وأَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ: ما يُجزون في الآخرة.
ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ أي: ذلك الأسوأ من الجزاء هو جزاء أعداء الله، وهو النار. فالنار: خبر عن مضمر، أو: عطف بيان للجزاء، والنار: مبتدأ. ولَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ: خبر، أي: النار في نفسها دار الخلد، كما تقول: لك في هذه الدار السرور، وأنت تعني الدار بعينها، ويسمى في علم البلاغة: التجريد، وهو أن ينتزع من ذي صفة أمراً آخر مثله، مبالغةً، لكمالٍ فيه. تقول: لقيت من زيد أسداً. وقيل: هي على معناها، والمراد: أن لهم في النار المشتملة على الدركات دار مخصوصة، هم فيها خالدون، جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أي: جُوزوا بذلك جزاء بسبب ما كانوا يجحدون بآياتنا ويلغون فيها.
الإشارة: الآية تنسحب على مَن يرفع صوته بمحضر مجلس الوعظ والذكر، أو العلم النافع، أو صفوف الصلاة، فهذه المجالس يجب صونها من اللغو والصخب، ويجب الاستماع لها، والإنصات، والتوقير، والتعظيم، لأنها موروثة عن الرسول ﷺ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى «١»، ومَن فعل شيئاً من ذلك فالوعيد بقوله تعالى:
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا | الآية- منه بالمرصاد. والله تعالى أعلم. |