وعن علىّ رضي الله عنه: أدُّوا الفرائض. وعن الفُضيل: زهدوا في الفانية، ورغبوا في الباقية «١». قلت: ويجمعها الإقرار بالربوبية، والقيام بوصائف العبودية.
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، أو: في الدنيا بإلهام الخير وشرح الصدر، وإعانتهم على الأمور الدينية، كما أن الكفرة تقويهم ما قُيض لهم في قرناء السوء. والأظهر: العموم. أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا ف «أن» مخففة، أو: تفسيرية، أي: لا تخافوا ما تٌقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم، فالخوف: غم يلحق لِتَوَقُّعِ مكروه، والحزن: غم يلحق لفوات نافع، أو حضور ضارٍّ. والمعنى: أن الله تعالى كتب لكم الأمنَ من كل غم، فلن تذوقوه أبداً. وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ في الدنيا على ألسنة الرسل.
وقال محمد بن علي الترمذي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة، عند مفارقة الأرواح الأبدان، ألا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان، التي تُوعدون في سالف الأزمان.
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
، كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين. وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من فنون الطيبات، وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
ما تتمنون، افتعال من الدعاء، بمعنى الطلب، نُزُلًا: حال من مفعول «تَدّعون» المحذوف، أو: من «ما»، والنزُل: ما يقدم للنزيل، وفيه تنبيه على أن ما يتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم النعيم كالنُزُل للضيف. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إن الذين أقرُّوا بقهرية الربوبية، وقاموا بوظائف العبودية، تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة الأبدية. قال القشيري: فأما الاستقامة فهي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها، من غير إخلالٍ بشيء من أقسامها.
ثم قال: مَن كان له أصل الاستقامة، وهي التوحيد، أَمِنَ من الخلود في النار، ومَن كان له كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد، من غير أن يلحقه سوء بحالٍ. ويقال: استقاموا على دوام الشهود، وانفراد القلب بالمعبود، أو: استقاموا في تصفية العقد، ثم في توفية العهد، ثم في صحة القصد، بدوام الوجد، أو: استقاموا بأقوالهم، ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم، في وقتهم وفي مآلهم، أو: داموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته. واستقامة العابد: ألا يعود إلى الفترة واتباع الشهوة، ولا يدخله رياء ولا تصنُّع، واستقامةُ العارف:
ألا يشوب معرفته حظ في الدارين، فيحجب به عن مولاه، واستقامةُ المحبين: ألا يكون لهم أرب من غير محبوبهم يكتفون من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده. هـ.

(١) انظر فى هذه الأقوال تفسير الطبري (٢٤/ ١١٥) والبغوي (٧/ ١٧٢) والبحر المحيط (٧/ ٤٧٥).


الصفحة التالية
Icon