وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ الشركاء الذين خلطوا أموالهم، لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ غير مراع لحق الصحبة والشركة، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ منهم، فإنهم يتحامَوْن عن البغي والعدوان، وَقَلِيلٌ ما هُمْ أي: وهم قليل. و «ما» : مزيدة للإبهام، والتعجُّب من قِلتهم. والجملة: اعتراض. وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ، الظن مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة الظاهرة، أي: علم بما جرى في مجلس الحكومة وقيل: لمّا قضى بينهما نظر أحدُهما إلى الآخر، فضحك، ثم صعدا إلى السماء فعلم عليه السلام أنه تعالى ابتلاه. والقصر مُنصَّب على الفتنة، أي: علم أنما فعلناه به فتنة وامتحان.
واختلف في سبب امتحانه، قيل: لأنه تمنّى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وقال: يا رب أرى الخير كله ذهب به آبائي، فأوحى إليه: إني ابتليتهم، فصبروا فابتلى إبراهيم بنمرود وبذبح ولده، وإسحاق بالذبح «١».
ويعقوب بالحزن على يوسف وذهاب بصره، وأنت لم تُبتل بشيءٍ، فقال: يا رب ابتلني بمثل ما ابتليتهم به، فابتلي بالمرأة «٢». وقيل: إنه ادعى القوة، وقال: إنه لا يخاف من نفسه قط، فامتُحن، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ إثر ما علم أن ما صدر منه ذنب وَخَرَّ راكِعاً أي: ساجداً، على تسمية السجود ركوعاً، أو: خرَّ راكعاً مصلياً صلاة التوبة، وَأَنابَ أي: رجع إلى الله بالتوبة، رُوي: أنه بقي ساجداً أربعين يوماً يبكي، حتى نبت البقل من دموعه، ولم يشرب ماءً إلا وثلثاه دموع، واشتغل بذلك عن المُلك، حتى وثب ابن له، يقال له: «إيشا» على ملكه ودعا إلى نفسه، واجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل، فلما غفر له حاربه فهزمه. هـ.
وهذا الموضع فيه سجدة عند مالك، خلافاً للشافعي، إلا أنه اختلف في مذهب مالك هل سجد عند قوله:
وَأَنابَ أو عند قوله: وَحُسْنَ مَآبٍ. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري: أنه رأى في المنام شجرة تقرأ سورة «ص»، فلما بلغت: «وأناب» سَجَدَت، وقالت: اللهم اكتب لي بها أجراً، وحطّ عني بها وزرا، وارزقني بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، فقال له- عليه الصلاة والسّلام- «وسجدتً أنت يا أبا سعيد؟» قلت: لا. قال: «كنتَ أحق بالسجود من الشجرة»، ثم تلى نبي الله الآيات، حتى بلغ: وَأَنابَ فسجد، وقال كما قالت الشجرة «٣».
(٢) انظر تفسير الطبري (٢٣/ ١٤٦) والبغوي (٧/ ٧٨).
(٣) أخرجه، عن ابن عباس، الترمذي فى (أبواب السفر، باب ما يقول فى سجود القرآن ٣/ ٤٧٢- ٤٧٣- ح ٥٧٩)، وابن ماجه فى (إقامة الصلاة والسنة، باب: سجود القرآن ١/ ٣٣٤، ح ١٠٥٣) والحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي، (١/ ٢١٩- ٢٢٠) والبغوي فى تفسيره (٧/ ٨٦) قال- أي: ابن عباس-: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إنى رأيتى الليلة وأنا نائم كأنى أصلى خلف شجرة، فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودى.. إلخ الحديث. قال الترمذي: (وفى الباب عن أبى سعيد) قلت: حديث أبي سعيد الخدري عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥/ ٥٧٢) لأبى يعلى.