الحق، فكفروا وأصرُّوا، وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ أي: القرآن يُنبههم على ما هم عليه من الغفلة، ويُرشدهم إلى التوحيد، ازدادوا كفراً وعُتواً، وضمُّوا إلى كفرهم السابق معاندة الحق والاستهانة به، حيث قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ فسَمّوا القرآنَ سحراً، وجحدوه ومَن جاء به. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كان إبراهيم عليه السلام إمام أهل التوحيد، لقوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «١»، وجعل الدعوة إليه في عقبه إلىَ يَوْمِ القِيَامةِ، وهو على قسمين توحيد البرهان، وتوحيد العيان. وقد جاءت بعده الرسل بالأمرين معا، وقام بها خلفاؤهم بعدهم، فقام بالأول العلماء، وقام بالثاني خواص الأولياء، أهل التربية الحقيقية، ولا ينال من توحيد العيان شيئاً مَن علق قلبه بالشهوات الجسمانية، والحظوظ الفانية، كما قال الششترى رضي الله عنه:
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا... مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى
وكل مَن تمتع بذلك، وانهمك فيه حَرِمَ بركة صحبة العارفين إذ يمنعه ذلك من حط رأسه، ودفع فلسه، فينخرط في سلك قوله تعالى: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ... الآية. وكل زمان له رسول، خليفةً عن الرّسول صلّى الله عليه وسلم يدعو إلى الحق ومعرفته. وبالله التوفيق.
ثم ذكر تحكمهم على الله، واستحقارهم لرسوله صلّى الله عليه وسلم، فقال:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أي: من إحدى القريتين مكة والطائف، على نهج قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «٢» وعنوا بعظيم مكة: الوليد بن المغيرة، وبعظيم الطائف: عروة بن مسعود الثقفي. وعن مجاهد: عظيم مكة: [عتبة] «٣» بن ربيعة، وعظيم الطائف: ابن عبد ياليل «٤». ولم يتفوّهوا بهذه العظيمة حسداً، بل استدلالاً على عدم نزوله، بمعنى: لو كان قرآنا
(٢) الآية ٢٢ من سورة الرّحمن.
(٣) فى الأصول [عقبة].
(٤) انظر تفسير الطبري (٢٥/ ٦٥). والدر المنثور للسيوطى (٥/ ٧٢١).