بعض الحكماء: كنتُ أقرأ القرآن ولا أجد حلاوة، حتى تلوته كأنه أسمعه من رسول الله ﷺ يتلوه على أصحابه، ثم رُفعت إلى مقام، كأني أسمعه من جبريل، يلقيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء اللهُ بمنزلة أخرى، فأنا الآن أسمعه من المتكلِّم به، فعندها وجدت له لذة ونعيماً لا أصبر عنه.
العاشر: التبري، وهو أن يتبرأ من حوله، وقوته، والالتفات إلى نفسه بعين الرضا. انظر بقية كلامه فقد اختصرناه غاية.
ثم ذكر سليمان عليه السلام، فقال:
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣)
يقول الحق جلّ جلاله: وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ أي: سليمان، فهو المخصوص، إِنَّهُ أَوَّابٌ أي: رجاع إلى الله تعالى في السرّاء والضراء، وفي كل أموره، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ أي: واذكر ما صدر عنه حين عُرض عليه بِالْعَشِيِّ وهو ما بين الظهر إلى آخر النهار، الصَّافِناتُ الْجِيادُ أي:
الخيل الصافنات، وهي التي تقوم على طرف سنبك يدٍ أو رِجل. وهي من الصفات المحمودة، لا تكاد توجد إلا في الخيل العِراب، الخُلَّص. وقيل: هو الذي يجمع يديه ويستبق بهما، والجياد: جمع جواد، أو: جود، وهو الذي يسرع في جريه، أو: الذي يجود عند الركض، وقيل: وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين، واقفة وجارية، أي: إذا وقفت كانت ساكنة، وإذا جرت كانت سِراعاً خفافاً في جريها.
رُوِي أنه عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين، وأصاب ألف فرس، وقيل: أصابها أبوه من العمالقة، وورثها منه، وفيه نظر فإن الأنبياء لا يورثون، إلا أن يكون تركها حبساً، فورث النظر فيها. ويكون عقرها بنية إبدالها. وقيل:
خرجت من البحر لها أجنحة، فقعد يوماً بعد ما صلّى الظهر على كرسيه، فاستعرضها، فلم تزل تُعرض عليه حتى غربت الشمس، وغفل عن العصر، أو: عن الوِرد، كان له من الذكْر وقتئذ، وهو أليق بالعصمة، فاغتم لِما فاته، فاستردها، فعقرها، تقرُّباً إلى الله تعالى، وبقي مائة، فما في أيدي الناس اليوم مِن الجياد فمن نسلها «١».

(١) انظر تفسير البغوي (٧/ ٨٨). [.....]


الصفحة التالية
Icon