وكل مَن عَوَّق الناسَ عن طريق الحق يصدق عليه قوله: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم:
يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ حيث حرمتموها من الوصول إلىّ أنكم فى عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه:
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ... الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
ثم أمر بالثبوت فى طريق الحق، فقال:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
يقول الحق جلّ جلاله: فَاسْتَمْسِكْ أي: تمسّك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من الآيات والشرائع، واعمل بذلك، سواء عجلنا لك الموعود أو أخرناه، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ على دين قَيم لا عوجَ فيه، وهو تعليل للأمر بالاستمساك. وَإِنَّهُ أي: ما أُوحي إليك لَذِكْرٌ لشرف عظيم لَكَ وَلِقَوْمِكَ ولأمتك، أو: لقومك من قريش، فمازال العز فيهم، والشرف لهم، من زمانه صلّى الله عليه وسلم إلى قرب الساعة. قال صلّى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الشأن في قريش ما بقيّ منهم اثنان» «١». وفي رواية: «لا يزال هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلا كُبّ على وجهه ما أقاموا الدّين» «٢». قال ابن عباس: كان صلّى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا:
لِمن الملك بعدك؟ أمسك فلم يجبهم، حتى نزلت: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ فكان بعد تلك إذا سئل قال: «لقريش» فلا يُجيبونه، فقبلته الأنصار على ذلك «٣».
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري، فى الموضع السابق (ح ٣٥٠٠)، من حديث معاوية رضي الله عنه.
(٣) عزاه فى الدر المنثور (٥/ ٧٢٥) لابن عدى وابن مردويه، عن علىّ وابن عباس- رضي الله عنهما- قلت: على هامش النّسخة الأم مايلى: هذا غريب جدا، والمعروف أنه كان يقول: «الملك لله يضعه حيث يشاء». هـ.