وعن عبد الله بن طاهر: أنه لما ولي مصر خرج إليها، فلما شارفها، قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون، حتى قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ؟ والله لهي أقلّ عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. وعن هارون الرشيد: أنه لمّا قرأها، قال: والله لأولينّها أخسَّ عبيدي، فولاها الخُصَيْب، وكان خادم وُضوئه «١».
وَهذِهِ الْأَنْهارُ: إما عطف على «ملك مصر»، ف «تجري» : حال منها، أو: واو الحال، ف «هذه» مبتدأ، و «الأنهار» : صفتها و «تجري» : خبر، أَفَلا تُبْصِرُونَ قوتي وسلطاني، مع ضعف موسى وقلة أتباعه. أراد بذلك استعظام ملكه وترغيب الناس في اتباعه.
ثم قال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مع هذه المملكة والبسْطة مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي: ضعيف حقير، من:
المهانة، وهي القلة. وَلا يَكادُ يُبِينُ الكلام لما به من اللثة. قاله افتراء عليه عليه السلام، وتنقيصاً له في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه عليه السلام. وقد كانت ذهبت عنه، لقوله تعالى: قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى «٢». والهمزة للتقرير، كأنه قال إثر ما عدّد من أسباب فضله، ومبادئ خيريته: أثبت عندكم واستقر لديكم أني أنا خير، وهذه حالى، مِن هذا. وإما متصلة، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟ فوضع قوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ موضع «تُبصرون» لأنهم إذا قالوا: أنت خير فهم عنده بُصَراء. وهذا من باب تنزيل السبب منزلة المسبب. انظر أبا السعود.
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ «٣» مِنْ ذَهَبٍ أي: فهلاَّ أُلقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقاً، لأنهم كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب. أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ مقرونين يمشون معه، مقترن بعضهم ببعض، ليكونوا أعضاده وأنصاره، أو: ليشهدوا له بالنبوة؟ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أي: فاستفزهم، وطلب منهم الخفة والسرعة في مطاوعته. أو: فاستخف أحلامهم واستزلهم، فَأَطاعُوهُ فيما أمرهم به إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ، خارجين عن الدين، فلذلك سارعوا إلى طاعته.
فَلَمَّا آسَفُونا أغضبونا أشد الغضب، منقول من: أَسف: إذ اشتد غضبه، انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ، والمعنى: أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن نُعجِّل لهم العذاب، وألا نحلُم عليهم. فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قدوة لمَن بعدهم من الكفار، يسلكون مسلكهم في استيجاب مثل ما حلّ بهم من العذاب، ف كل من تفرعن
(٢) الآية ٣٦ من سورة طه.
(٣) قرأ حفص ويعقوب «أسورة» بسكون السين بلا ألف، جمع «سوار» كأخمرة وخمار، وقرأ الباقون «أساورة» بفتح السين، وألف، جمع «أسورة»، كأسقية وأساقى، أو جمع «أساور» بمعنى «سوار». وقد أثبت المفسر- رحمه الله- قراءة «أساورة». انظر: شرح الهداية (٢/ ٥٠٨) والإتحاف (٢/ ٤٥٧).