يقول الحق جلّ جلاله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا، وذلك أن رسول الله ﷺ قرأ على قريش: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ... «١» الآية، فغضبوا، فقال ابن الزِّبَعْرى: يا محمد! أخاصة لنا ولآلهتنا، أم لجميع الأمم؟ فقال عليه الصلاة والسّلام: «هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم»، فقالوا: ألست تزعم أن عيسى [نبي]، يُثنى عليه وعلى أمّه خيراً، وقد علمت أنَّ النصارى يعبدونهما؟ وعزير يُعبد، والملائكة يُعبدون، فإن كان هؤلاء في النار، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا، وضحكوا، وسكت النبي ﷺ انتظاراً للوحي.
وفي رواية: فقال لهم صلّى الله عليه وسلم: «إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك». وقال ابن الزبعرى: «ما أجهلك بلغة قومك، أَمَا فهمت أن «ما» لِما لا يعقل، فهي خاصة بالأصنام» «٢»، فأنزل الله:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى | «٣» الآية. ونزلت هذه الآية. |
يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض، أو يزدادون.
وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعني أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا هيناً. أو: فإذا كان عيسى في النار، فلا بأس بكوننا مع آلهتنا فيها. قال تعالى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي: ما ضربوا لك ذلك المثل إلا لأجل الجدال والخصام، لا لطلب الحق حتى يذعنوا له عند ظهوره، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ أي: لُدّاً، شِدَاد الخصومة، مجبولون على اللجاج، وذلك أن الآية إنما قصدت الأصنام، بدليل التعبير ب «ما»، إلا أن ابن الزبعرى حدا عنه لمّا رأى كلام الله تعالى محتملاً لفظُه للعموم، مع علمه بأن المراد به أصنامهم، وجد للحيلة مساغاً، فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريق اللجاج والجدال والمكابرة، وتوقَّح في ذلك، فصمت عنه صلّى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه.
(٢) قال الحافظ ابن حجر فى الكافر الشاف (ص ١١١- ١١٢) :«استقر فى ألسنة كثير من علماء العجم، وفى كتبهم أن النبي ﷺ قال «ما أجهلك بلغة قومك..» إلخ. وهو شىء لا أصل ولا يوجد لا مسندا ولا غير مسنده. هـ. ووجدت على هامش النّسخة الأم ما يلى:
«هذه الرّواية لا أصل لها، بل الخبر من أصله لم يورده المؤلف كما هو، ولبيان ذلك لا يسعه هذا المحل» هـ. [.....]
(٣) الآية ١٠١ من سورة الأنبياء.