وفي الحديث: إن عيسى عليه السلام ينزل على ثنية بالأرض المقدسة، يقال لها: أَفِيق، وهي عقبة بيت المقدس، وعليه مُمَصَّرتان «١»، وشعر رأسه دهين، وبيده حربة يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس، والناس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم، فيتأخر الإمام، فيقدمه عيسى، ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويخرب البيعَ والكنائس، ويقتل النصارى إلا مَن آمن به وبمحمد صلّى الله عليه وسلم «٢».
وقيل: الضمير للقرآن لأن فيه الإعلام بالساعة، فَلا تَمْتَرُنَّ بِها فلا تشكنَّ فيها، من المرْية، وهو الشك، وَاتَّبِعُونِ أي: اتبعوا هداي وشرائعي، أو: رسولي، وقيل: هو قول نبينا صلّى الله عليه وسلم مأموراً به من جهته تعالى:
هذا أي: الذي أدعوكم إليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ موصل إلى الحق. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ عن اتباعي إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ بيِّن العداوة، حيث أخرج آباءكم من الجنة، وعرضكم للبلية.
الإشارة: الوعظ والتذكير لا تسري أنواره في القلوب إلا مع التسليم والتصديق، والسكوت والاستماع، كما كان الصحابة- رضي الله عنهم- مع الرّسول صلّى الله عليه وسلم كأنَّ على رؤوسهم الطير، وأما إن دخل معه الجدال واللجاج ذهبت بركته، ولم تسْر أنواره، ولذلك قيل: مذهب الصوفية مبني على التسليم والتصديق، ومذهب الفقهاء مبني على البحث والتفتيش، لكن مع الإنصاف، وخفض الصوت، وحسن السؤال من غير ملاججة ولا غضب.
ثم ذكر بعثة عيسى ودعوته إلى الله، فقال:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٦٣ الى ٦٦]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦)
(٢) ذكره بلفظه القرطبي فى تفسيره (٧/ ٦١٠٩) وعزاه للثعلبى، وأخرجه بلفظ مقارب أبو داود فى (الملاحم، باب خروج الرّجال، ٤/ ٤٩٨ ح ٤٣٢٤). عن أبى هريرة. وأصل الحديث فى الصحيحين. انظر البخاري (كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم عليهما السّلام ح ٣٤٤٨) ومسلم (الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حكما بشريعة نبينا محمد ﷺ ١/ ١٣٥ ح ١٥٥).