يهديه هذه الهداية العظمى من بعد الله، «١» وهذا يُسلّم في طريق الإشارة، لأنها خارجة عن سياق العبارة، وللقرآن أسرار باطنة، يعرفها أهل الباطن فقط، فسلّم تسلم.
ثم ذكر مقالة أهل الأهواء والضلال، فقال:
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا من غاية غيهم وضلالهم: ما هِيَ أي: ما الحياة لأنهم وُعِدُوا حياة ثانية، إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن فيها، نَمُوتُ وَنَحْيا أي: يُصيبنا الموت والحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة، أو: نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا، أو: يموت بعض ويحيا بعض، أو: نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب، ونحيا بعد ذلك. وقيل: هذا كلام مَن يقول بالتناسخ، فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان، أي: يموت الرجل، ثم تجعل روحه في شبح آخر، فيحيا به، وهو باطل عند أهل الإسلام. ثم قالوا: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ إلا مرور الزمان وهو في الأصل: مدة بقاء العالم، من: دهَرهُ: إذا غَلَبه، وكانوا يزعمون أن مرور الزمان بالليالي والأيام هو المؤثِّر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت، وقبضه الأرواحَ بأمر الله تعالى، وكانوا يُضيفون كلَّ حادثة تحدثُ إلى الدهر والزمان، كما قال شاعرهم:
أَشَابَ الصغيرَ وأفنى الكبيرَ | كَرُّ الغداة ومرُّ العشيِّ. |
منع البقاءَ تَغرُّبُ الشمس | وطلوعها من حيث لا تمسي |
وطلوعُها بيضاءَ صافيةً | وغروبُها صفراءَ كالورْسِ «٢» |
تجري على كبِد السماء كما | يجري حِمام الموت بالنفْسِ |
اليومَ أعلم ما يجيء به | ومضى بفصل قضائه أمس |
(٢) الورس: نبات كالسمسم أصفر يزرع باليمن ويصبغ به، ويتخذ منه الغمرة للوجه. وقيل صنف من الكمكم، وقيل: يشبهه. انظر اللسان (ورس ٦/ ٤٨١٢) ومحيط المحيط (ص ٩٦٥).