لا يُخْرَجُونَ مِنْها
أي: من النار، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، استهانة بهم. وقرأ الأَخوان بالخطاب «١». وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي: لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي: يرضوه بعمل صالح لفوات إبانه، وإن طلبوا الرجوع لم يقبل منهم.
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ خاصة، رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فلا يستحق الحمد أحد سواه، أي:
فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء، فإن مثل هذه الربوبية العامة، توجب الحمد والثناء على كل مربوب، وتكرير الرب للتأكيد والإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل منهما بطريق الأصالة. وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وكبّروه، فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السموات والأرض، وإظهارهما في موضع الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء، وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يُغلَب، الْحَكِيمُ في كل ما قضى وقدّر، فاحمدوه وكبّروه، وأطيعوه، فصاحب هذه الصفات العظام مستحق لذلك.
الإشارة: وقيل اليوم ننساكم من شهود قُربى، كما نسيتم لقاء يومكم هذا، فلو ذكرتموني على الدوام لقربتكم على الدوام، ولو ذكرتموني على الانفراد لأشهدتكم ذاتي على التماد، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودي من الكائنات، والدالة على شهودي من الأولياء، هزواً، وغرتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب، ولا يُمنعون من انسداله، ولا هم يرضون ربهم، فيرضى عنهم، فلله الحمد على غناه عن الكل، وله الكبرياء في السمواتِ والأرضِ، أي: رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته في السموات والأرض، وهو ما ظهر من حسها، كما هو منشور على وجهه في جنة عدن، كما في الحديث.
وقال الورتجبي: نفى الحق الكبرياء عن الحدثان لأنه هو المستحق للكبرياء، وكبرياؤه ظاهر في كل ذرة، من العرش إلى الثرى، إذ هي كلها مستغرقة مقهورة في أنوار كبريائه، يعز بعزه الأولياء، ويقهر بقهره الأعداء، حكيم في إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته، التي هي شرائعه المحكمة بحكمه، وقال سهل رضي الله عنه: وله الكبرياء: العلو والقدرة والعظمة، والحول والقوة في جميع الملك، فمَن اعتصم به أيّده بحَوْلِه وقوته، ومَن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.