وشرائعه، ورحمة من الله- تعالى- لمَن آمن به. وَهذا القرآن، الذي يقولون في حقه ما يقولون، هو كِتابُ عظيم الشأن مُصَدِّقٌ لكتاب موسى، الذي هو أماماً ورحمة، أو: لما بين يديه من جميع الكتب الإلهية. قال ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها: أنه لما تضمن قوله: فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ تقبيحهم إياه بأنه إما كذب في نفسه، أو شبيه بما قبله من الأكاذيب والافتراءات، عقبه ببيان أنه إما صدق في نفسه، أو شبيه بما قبله من الكتب الصادقة. هـ.
حال كون الكتاب لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: متعلق بمُصَدِّق، أو بأنزل، محذوفاً، وفيه ضمير الكتاب، أو: الله- تعالى، أو: الرسول صلّى الله عليه وسلم، ويؤيده: قراءة الخطاب «١»، وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ في حيز النصب، عطف على محل «ليُنذر» لأنه مفعول له، أي: للإنذار والبشرى، أو: وهو بشرى للمحسنين، للمؤمنين المطيعين.
الإشارة: قال في الحِكَم: «أصل كل معصيةٍ وغفلةٍ وشهوةٍ: الرضا عن النفس، وأصلُ كل طاعةٍ ويقظةٍ وعفةٍ:
عدمُ الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأيُّ علمٍ لعالمٍ يرضى عن نفسه؟ وأيّ جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟»
«٢»، وعلامة الرضا عن النفس: تغطية مساوئها، وإظهار محاسنها، كما قال الشاعر:

وَعَيْنُ الرِضَا عَن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ولَكِن عَين السخط تبدى المساويا
وإذا نقصها له أحدٌ انتقم منه وغضب، وإذا مدحها له فَرِحَ واستبشر، ويرى أنه أهل لكل خيرٍ، وأولى من غيره، فيقول إذا رأى مَن حاز خيراً أو رئاسة، كما قال الكفار: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سبقونآ إليه، وعلامة عدم الرضا عنها: إظهار مساوئها، واتهامها في كل حال.
وقال أبو حفص الحداد: مَن لم يتَّهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه، كان مغروراً، ومَن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه؟! والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي «٣» هـ.
(١) قرأ «لتنذر» بالخطاب، نافع، وابن عامر، وأبو جعفر بخلفه، ويعقوب، وقرأ الباقون بالغيب. انظر الإتحاف (٢/ ٤٦٩- ٤٧٠).
(٢) حكمة رقم/ ٣٥، انظر تبويب الحكم ص/ ١٧.
(٣) من الآية ٣٥ من سورة يوسف.


الصفحة التالية
Icon