عليكم، حيث خالفتم نبيكم، والأول أوفق بقوله: كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ «١» وقوله: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً «٢».
وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً أي: آلات الإدراك والفهم، ليعرفوا بكل واحدة منها ما خلقتْ له، وما نيطت به معرفته، من فنون النعم، ويستدلوا بها شئون منعمها، ويداوموا على شكرها، ويوحدوا خالقها، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل، وَلا أَبْصارُهُمْ حيث لم يُبصروا ما نصب من الآيات الدالة على وحدانيته- تعالى- ووجوب وجوده، وَلا أَفْئِدَتُهُمْ حيث لم يتفكّروا بها في عظمة الله- تعالى- وأسباب معرفته، فما أغنت عنهم مِنْ شَيْءٍ أي: شيئاً من الإغناء. ومِنْ: زائدة للتأكيد، وقوله: إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ: ظرف لقوله: فَما أَغْنى جارٍ مجرى التعليل، لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك: ضربته إذ أساء، أو: لإساءته، لأنك إذا ضربته وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه، وكذلك الحال في «حيث» دون سائر الظروف غالباً، أي: فما أغنت عنهم آلات الإدراك لأجل جحودهم بآيات الله. وَحاقَ أي: نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، ويقولون: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى يا أهل مكة، كحِجر ثمود، وقرى لوط، والمراد: أهل القرى، ولذلك قال: وَصَرَّفْنَا الْآياتِ، كرّرناه، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: كرّرنا عليهم الحجج وأنواع العِبر لعلهم يرجعون من الطغيان إلى الإيمان، فلم يرجعوا، فأنزلنا عليهم العذاب.
فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً أي: فهلاّ منعهم وخلصهم من العذاب الأصنام الذين اتخذوهم آلهة من دون الله، حال كونها متقرباً بها إلى الله، حيث كانوا يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «٣»، وهؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «٤» بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ أي: غابوا عن نصرتهم، وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ، الإشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذها آلهة، وثمرة شركهم، وافترائهم على الله الكذب.
(٢) من الآية ٧٤ من سورة مريم.
(٣) من الآية ٣ من سورة الزمر.
(٤) من الآية ١٨ من سورة يونس.