كفرِح، فهو لَحِنٌ، إذا فطنَ للشيء، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: «ولعلَّ بعضَكُمْ أن يكون الْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعضٍ» «١» أي: لقُوتهِ على تصريف الكلام. والفعلُ من الخطأ: لَحَنَ يلحَنُ لحْناً، كجعل، فهو لاَحِنٌ إذا أخطأ، والأصل فيه: إزالة الكلام عن جهته، مأخوذ من: اللحن، وهو ضد الإعراب، وهو الذهاب عن الصواب في الكلام «٢». وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ فيُجازيكم بحسب قصدكم إذ الأعمال بالنيات، وهذا وعد للمؤمنين، وإيذانٌ بأن حالهم بخلاف حال المنافقين، أو:
يعلم جميع أعمال العباد، فيميزُ خيرَها من شرها.
الإشارة: إن الذين ارتدوا على أدبارهم، أي: رجعوا عن صحبة المشايخ، بعد ما ظهر لهم أسرارُ خصوصيتهم الشيطانُ سوَّل لهم وأَمْلَى لهم، وتقدّم عن القشيري: أنه يتخلّف عنهم يوم القيامة، ولا يلحق بالمقربين، ولو يشفع فيه ألفُ عارف، بل من كمال المكر به أن يُلقي شَبَهَه في الآخرة على غيره، حتى يتوهم عارفوه من أهل المعرفة أنه هو، فلا يشفع أحد فيه لظنهم أنه معهم، فإذا ارتفعوا إلى عليين مُحيت صورته، ورُفع إلى مقام العامة، انظر معناه في آل عمران «٣».
وقال هنا: الذي طلع فَجرُ قلبه وتلألأ نورُ التوحيد فيه، ثم ارتدّ قبل طلوع نهار إيمانه انكسفَ شمسُ يومه، وأظلم نهارُ عرفانه، ودَجا ليل شَكِّه، وغابت نجومُ عقله، فحدَّث عن ظلماتهم ولا حرج. هـ. ولا سيما إذا تحزّب مع العامة في الإذايَة، وقال للذين كرهوا ما نَزّل الله على أهل الخصوصية من الأسرار: سنُطيعكم في بعض الأمر من إذايتهم، والله يعلم أسرارهم، وباقي الوعيد الذي في الآية ربما يشملهم. وقوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: عداوةٌ لأولياء الله أن لن يُخرج اللهُ أضغانهم؟ بل يُخرجها ويُظهر وبالها، ويفتضحون ولو بعد حين، وقوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ في قوة الخطاب، ومفهوم الكلام لأن الأسِرَّة تدلُّ على السريرة، وما خامر القلوبَ فعلى الوجوه يلوحُ، وأنشدوا في المعنى:
لَستُ «٤» مَنْ لَيْس يَدْرِي مَا هوانٌ مِن كَرَامه | إِنَّ لِلْحُبِّ وَلِلْبَغْضِ عَلَى الْوَجْهِ عَلاَمه |
(٢) انظر اللسان (لحن ٥/ ٤٠١٣- ٤٠١٤).
(٣) راجع إشارة الآية ٩٠ من سورة آل عمران. (١/ ٣٧٩).
(٤) هكذا فى الأصول، وأظنه: لست ممن.