اخي عكاشة بن مِحصن. وقيل: بايعوه على الموت عنده «١»، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض» «٢» وقال أيضاً: «لا يدخل النارَ أحد ممن بايع تحت الشجرة» «٣». وكانوا ألفاً وخمسمائة وخمسةً وعشرين، وقيل: ألفاً وأربعمائة. والحديبية بتخفيف الياء، قاله في المصباح، وهي على عشرة أميال من مكة.
فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإخلاص، وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه. وقال القشيري: عِلِمَ ما في قلوبهم من الاضطراب والتشكيك. وذلك أنه صلّى الله عليه وسلم رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين، فبشّر أصحابه، فلما صُدُّوا خامر قلوبَهم شكٌّ «٤»، فَأَنْزَلَ الله السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ أي: اليقين والطمأنينة، فذهب عنهم. ثم قال:
وفي الآية دليلٌ على أنه قد يخطر ببال الإنسان خواطر مشكِّكة، وفي الرَّيب مُوقعة، ثم لا عبرة، فإن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً ألزم التوحيد قلبَه، وقارن التحقيق سِرَّه، فلا يضرُّه كيدُ الشيطان. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا... الآية «٥».
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ أي: الطمأنينة والأمن، وسكون النفس، بالربط على قلوبهم، وَأَثابَهُمْ أي:
جازاهم فَتْحاً قَرِيباً وهو فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية كما تقدّم. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وهي مغانم خيبر، وكانت أرضاً ذات عقار وأموال، فقسمها بينهم، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً منيعاً فلا يغالب، حَكِيماً فيما يحكم به فلا يعارض.
وقد بيّن العلماء إنه لا تنافي بين من قال: إنهم بايعوا النبي ﷺ يومئذ على الموت، وبين من قال: إنهم بايعوه على عدم الفرار.
قال الحافظ ابن حجر فى الفتح (٧/ ٥١٥: فحاصل الجمع أنّ من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها، لأنه إذا بايع أنه لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولمّا كان الموت لا يؤمن فى مثل ذلك أطلقه الرّاوى. وحاصله: أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه، وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت، وبعضا بايع على أن لا يفر. هـ.
(٢) أخرجه البخاري فى (المغازي، باب غزوة الحديبية، ح ٤١٥٤) ومسلم فى (الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم ١٨٥٦، ح ٧١) من حديث جابر عبد الله رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أحمد فى المسند (٣/ ٣٥٠). وأبو داود فى (السنة، باب فى الخلفاء ح ٤٦٥٣) والترمذي فى (المناقب، باب ما جاء فى فضل من بايع تحت الشجرة ح ٣٨٦٠) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرج مسلم فى (فضائل الصحابة باب من فضائل أصحاب الشجرة ح ٢٤٩٦) من حديث جابر، عن أم مبشّر، أنها سمعت النبي ﷺ يقول عند حفصة: «لا يدخل النّار- إن شآء الله- من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوه تحتها».
(٤) فى القشيري: شىء.
(٥) الآية ٢٠١ من سورة الأعراف.