وقال ابن عباس والحسن ومقاتل: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها هي فارس والروم. وقال مجاهد: ما فتحوا حتى اليوم «١». هـ. قلت: بل إلى يوم القيامة وهذا أظهر الأقوال. أي: لم تقدروا على أخذها الآن وستأخذونها، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لأن قدرته تعالى عامة التعلُّق، لا تختص بشيء دون شيء.
قال ابن عرفة: مذهبنا أن المستحيل لا يصدق عليه شيء، فيبقى النظر: هل يطلق على الواجب شيء، لقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ «٢» أم لا يطلق عليه شيء؟ فإن قلنا: يصلح الإطلاق وجب التخصيص في الآية، فيكون عامّاً مخصوصاً، وإن قلنا بعدم صحته، فيبقى النظر: هل المراد بالقدرة الإحداث أو الصلاحية، فإن أريد الإحداث فهي مخصوصة، وإن أريد الصلاحية فهو عام غير مخصوص. هـ.
الأشارة: مشايخ التربية خلفاء الرّسول صلّى الله عليه وسلم فحين بايعهم على عقد الإرادة فكأنما بايع الرسول، فيقال على طريق الإشارة: لقد رَضِي اللهُ عن المؤمنين المتوجهين، إذ يبايعونك أيها العارف تحت الشجرة، تحت ظل شجرة همتك، فعَلِمَ ما في قلوبهم من الصدق، فأنزل السكينة عليهم، حتى سكنوا تحت مشاق التربية والرياضة، وأثابهم فتحاً قريباً، وهو الوصول إلى حضرة العيان، ومغانم كثيرة فتوحات ومكاشفات، وأسرار، وترقيات كثيرة، إلى ما لا نهاية له، يأخذونها. ووعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها بعد الفتح، من الرجوع إلى البقاء وبقاء البقاء، والتوسُّع في المقامات، والترقِّي في معارج المكاشفات، فعَجَّل لكم هذه، هو مقام الفناء، وكفَّ أيدي القواطع عنكم، لتتوجهوا إلى مولاكم، لتكون عبرة للمؤمنين المتخلفين عن السير، يهتدون بهديكم، ويهديكم صراطاً مستقيماً:
طريق الوصول إلى حضرة القدس، ومحل الأنس، وأخرى لم تقدروا عليها في الدنيا، ادخرها لكم يوم القيامة، هو المُقام في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقال الورتجبي: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أي: رَضِيَ عنهم في الأزل، وسابق علم القدم، ويبقى رضاه إلى الأبد لأن رضاه صفة الأزلية الباقية الأبدية، لا تتغير بتغيُّر الحدثان، ولا بالوقت والزمان، ولا بالطاعة والعصيان، فإذا هم في اصطفائيته باقون إلى الأبد، لا يسقطون من درجاتهم بالزلات ولا بالبشرية، ولا بالشهوات، لأن أهل الرضا محروسون برعايته، لا تجري عليهم نعوت أهل البُعد، وصاروا متصفين بوصف رضاه، فرضوا عنه كما رضي عنهم، قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ «٣»، وهذا بعد قذف نور الأنس في قلوبهم بقوله: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ فسكنت قلوبهم إليه، واطمأنت به لتنزّل اليقين. هـ.
(٢) من الآية ١٩ من سورة الأنعام.
(٣) من الآية ١١٩ من سورة المائدة.