الالتفات إليها غيبةً في الله واشتغالاً بشهوده. وقيل لبعضهم: متى ينتهي سير الطالبين؟ قال: «الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا». وأيض: الا تجتمع المجاهدة مع المشاهد، فإذا تحققت المشاهدة فلا مجاهدة. هم الذين كفروا من النفوس المتمردة، والهوى، وصدُّوكم عن مسجد الحضرة، والهديَ معكوفاً، وحبسوكم عن التقرُّب إلى الله بالنفس والمال أن يبلغ محله، بأن تمنعكم من إعطائه، أو تُشِيبُه بما يُفسده من الرياء والعجب، لئلا تبلغ محل الإخلاص.
ثم ذكر حكمة منعهم من دخول مكة عام الحديبية، فقال:
قلت: (أن تطؤوهم) : بدل اشتمال من رجال ونساء، ومن ضمير «تعلموهم» وبغير متعلق بتطؤهم، وجواب «لولا» محذوف، أغنى عنه جواب «لو» أي: لما كفّ أيديكم عنهم.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ بمكة، ضَعُفوا عن الهجرة لَمْ تَعْلَمُوهُمْ لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم مع المشركين، أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
أي: غير عالِمين بهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أي: مشقة ومكروه. وفي تفسير المحلي «المعرة» بالإثم نظر، مع فرض عدم العلم، إلا أن يُحمل على صورة الإثم، وهو الخطأ، وفيه الكفارة. والمعرة: مفعلة من: عراهُ: إذا دهاه ما يكرهه وشقّ عليه، وهو هنا الكفارة إذا قتله خطأ، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز، والإثم إذا قصد قتله. والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة. والحاصل أنه كان بمكة قوم مسلمون مختلطون بالمشركين، غير متميّزين منهم، فقيل: ولولا كراهة أن تُهلكوا ناساً من المؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فتُصيبكم بإهلاكهم مشقة ومكروه، ولما كففنا أيديكم عنهم، ولسلطانكم عليهم.
وكان ذلك الكفّ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ أي: في توفيقه لزيادة الخير والطاعة لمؤمنيهم، أو: ليدخلهم في الإسلام مَن رغب فيه من مشركيهم مَنْ يَشاءُ زيادته أو هدايته، فاللام متعلقة بمحذوف، تعليل لما دلت عليه الآية، وسيقت له، من كفّ الأيدي عن أهل مكة، والمنع من قتلهم، صوناً لما بين أظهرهم من المؤمنين.
لَوْ تَزَيَّلُوا أي: تفرّقوا وتميّز المسلمون من الكافرين، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً بقتل


الصفحة التالية
Icon