أضغاث الأحلام، ويجوز أن يكون قسَماً، أي: أقسم بالحق لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، وعلى الأول: جواب القسم محذوف، أي: والله لتدخلن المسجد الحرام، والجملة القسمية: استئناف بياني، كأن قائلاً قال: ففيم صَدَقَه؟ فقال:
(لتدخلن المسجد إن شاء الله). وهو تعليق للعِدة بالمشيئة لتعليم العباد. قال ثعلب: استثنى الله فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون. وقال في القوت: استثنى الله معلماً لعباده ورَادّاً لهم إلى مشيئته، وهو أصدقُ القائلين، وأعلمُ العالمين. هـ. أو: للإشعار بأن بعضهم لا يدخلونه، لموت، أو: غيبة، أو غير ذلك، أو: هو حكاية لِما قاله ملَك الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لما قاله صلّى الله عليه وسلم لأصحابه، حين قصّ عليهم، أي: والله لتدخلنها آمِنِينَ من غائلة العدو، فهو حال من فاعل «لتدخلن» والشرط معترض. مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أي: محلقاً بعضكم، ومقصراً آخرون، لا تَخافُونَ بعد ذلك أبداً، فهو حال أيضاً، أو استئناف، فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فتح مكة فَتْحاً قَرِيباً وهو فتح خيبر، لتستروح إليه قلوبُ المؤمنين، إلى أن يتيسر الفتح الموعود. والله تعالى أعلم.
الإشارة: العارف الكامل لا يركن إلى شيء دون الله تعالى، فلا يطمئن إلى وعد، ولا يخاف من وعيد، بل هو عبد بين يدَي سيده، ينظر ما يبرز من زمن عنصر قدرته، فإن بُشِّر بشيء في النوم أو اليقظة، لا يركن إليه، ولا يقف معه لأن غيب المشيئة غامض، وإن خُوّف بشيء في النوم أو غيره، لا يفزع ولا يجزع لأن الغنى بالله والأُنس به غيَّبه عن كل شيء، وفي الله خلف من كل تلف «ماذا فقد مَن وجدك؟ «١» » والله يتولى الصالحين، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.. الآية «٢».
قال في الإبريز «٣» : الرؤيا المُحْزِّنة إنما هي اختبار من الله للعبد، هل يبقى مع ربه أو ينقطع عنه، فإن كان العبد متعلقاً به تعالى، ورأى الرؤيا المحزنة، لم يلتفت إليها، ولما يُبال بها لعلمه بأنه منسوب إلى مَن بيده تصاريف الأمور، وأنَّ ما اختاره تعالى سبقت به المشيئة، فلا يهوله أمر الرؤيا، ولا يلقي إليها بالاً، وهذه لا تضره بإذن الله تعالى: وإذا كان العبد غير متعلق بربه، ورأى رؤيا محزنة، جعلها نصب عينيه، وعمّر بها باطنه، وانقطع بها عن ربه، ويُقدِّر أنها لا محالة نازلة به، فهذا هو الذي تضره لأنَّ مَن خاف من شيء سلّطه عليه. هـ.

(١) من مناجاة الشيخ ابن عطاء السكندرى. انظر تبويب الحكم للمتّقى الهندي (ص ٤٢).
(٢) الآية ٢ من سورة الطلاق.
(٣) لسيدى عبد العزيز الدبّاغ- رحمه الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon