عباده، وفي الحديث: «لا تتبعوا عورات المسلمين فإنَّ مَن تتبَّع عورات المسلمين تتبَّع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته» «١».
قال ابن عرفة: مَن هو مستور الحال فلا يحلّ التجسُّس عليه، ومَن اشتهر بشرب خمر ونحوه فالتجسُّس عليه مطلوب أو واجب. هـ. قلت: معناه: التجسُّس عليه بالشم ونحوه ليُقام عليه الحد، لا دخول داره لينظر ما فيها من الخمر ونحوه، فإنه منهي عنه، وأمّا فعل عمر- رضي الله عنه- فحالٌ غالبة، يقتصر عليها في محلها. وانظر الثعلبي، فقد ذكر عن عمر رضي الله عنه أنه فعل من ذلك أموراً، ومجملها ما ذكرنا.
وقرئ بالحاء «٢»، من «الحس» الذي هو أثر الجس وغايته، وقيل: التجسُّس- بالجيم- يكون بالسؤال، وبالحاء يكون بالاطلاع والنظر، وفي الإحياء: التجسُّس- أي: بالجيم- في تطلُّع الأخبار، والتحسُّس بالمراقبة بالعين. هـ.
وقال بعضهم: التجسُّس- بالجيم- في الشر، وبالحاء في الخير، وقد يتداخلان.
والحاصل: أنه يجب ترك البحث عن أخبار الناس، والتماس المعاذر، حتى يُحسن الظن بالجميع، فإنَّ التجسُّس هو السبب في الوقوع في الغيبة، ولذلك قدَّمه الحق- تعالى- على النهي عن الغيبة، حيث قال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي: لا يذكر بعضُكم بعضاً بسوء. فالغيبة: الذكرُ بالعيب في ظهر الغيب، من الاغتياب، كالغِيْلَةِ من الاغتيال. وسئل صلّى الله عليه وسلم عن الغيبة، فقال: «ذِكْرُك أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه» «٣».
وعن معاذ: كنا مع رسول الله ﷺ فذَكَر القومُ رجلاً، فقالوا: لا يأكل إلا إذا أُطعم، ولا يرحل إلا إذا رُحِّل، فما أضعفه! فقال عليه السلام: «اغتبتم أخاكم»، فقالوا: يا رسول الله، أوَ غيبة أن يُحدَّث بما فيه؟ قال: «فَحَسْبُكم غيبةً أن تُحدِّثوا عن أخيكم بما فيه» «٤». قال أبو هريرة: قام رجل من عند النبي ﷺ فرأَوْا في قيامه عَجْزاً، فقالوا: يا رسول الله، ما أعجز فلاناً! فقال عليه السلام: «أَكَلْتُم لحْمَ أخيكم واغتبتموه» ».
(٢) نسبها فى البحر المحيط (٨/ ١١٣) للحسن وأبى رجاء وابن سيرين.
(٣) أخرجه مسلم فى (البر والصلة، باب تحريم الغيبة ح ٣٥٨٩) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه الأصبهانى فى الترغيب (٢٢٠٨) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ولم أقف عليه من حديث معاذ رضي الله عنه.
(٥) عزاه المنذرى فى الترغيب والترهيب (ح ٤١٧٠) لأبى يعلى فى مسنده (٦١٥١) والطبراني- واللفظ له- عن أبى هريرة رضي الله عنه.